الدعاء نوعان: دعاء مسألة ودعاء عبادة
فدعاء المسألة هو دعاء الطلب أي طلب الحاجات وهو عبادة إذا كان من العبد لربه، لأنه يتضمن الافتقار إلى الله تعالى واللجوء إليه، واعتقاد أنه قادر كريم واسع الفضل والرحمة. ويجوز إذا صدر من العبد لمثله من المخلوقين إذا كان المدعو يعقل الدعاء ويقدر على الإجابة كما سبق في قوله القائل يا فلان اطعمني.
وأما دعاء العبادة فأن يتعبد به للمدعوطلبًا لثوابه وخوفًا من عقابه وهذا لا يصح لغير الله وصرفه لغير الله شرك أكبر مخرج من الملة وعليه يقع الوعيد في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [سورة غافر، الآية: 60].
الخوف هو الذعر وهو انفعال يحصل بتوقع ما فيه هلاك أو ضررًا أو أذى، وقد نهى الله سبحانه وتعالى عن خوف أولياء الشيطان وأمر بخوفه وحده.
ودليل الرجاء قوله تعالى: {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [سورة الكهف، الآية: 110]. ..
والخوف ثلاثة أنواع
النوع الأولى: خوف طبيعي كخوف الإنسان من السبع والنار والغرق وهذا لا يلام عليه العبد قال الله تعالى عن موسى عليه الصلاة والسلام: {فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ} [سورة القصص، الآية: 18] لكن إذا كان هذا الخوف كما ذكر الشيخ رحمه الله سببًا لترك واجب أو فعل محرم كان حرامًا؛ لأن ما كان سببًا لترك واجب أو فعل محرم فهو حرام ودليل قوله تعالى: {فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [سورة آل عمران، الآية: 175].
والخوف من الله تعالى يكون محمودًا، ويكون غير محمود.
فالمحمود ما كانت غايته أن يحول بينك وبين معصية الله بحيث يحملك على فعل الواجبات وترك المحرمات، فإذا حصلت هذه الغاية سكن القلب واطمأن وغلب عليه الفرح بنعمة الله، والرجاء لثوابه. وغير المحمود ما يحمل العبد على اليأس من روح الله والقنوط وحينئذ يتحسر العبد وينكمش وربما يتمادى في المعصية لقوة يأسه.
النوع الثاني: خوف العبادة أن يخاف أحدًا يتعبد بالخوف له فهذا لا يكون إلا لله تعالى. وصرفه لغير الله تعالى شرك أكبر.
النوع الثالث: خوف السر كأن يخاف صاحب القبر، أووليًا بعيدًا عنه لا يؤثر فيه لكنه يخافه مخافة سر فهذا أيضًا ذكره العلماء من الشرك.
الرجاء طمع الإنسان في أمر قريب المنال، وقد يكون في بعيد المنال
ودليل التوكل قوله تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [سورة المائدة، الآية: 3]، وقال: {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [سورة الطلاق، الآية: 3]. .. .. .. .. .
تنزيلًا له منزلة القريب.
والرجاء المتضمن للذل والخضوع لا يكون إلا لله ـ عز وجل ـ وصرفه لغير الله تعالى شرك إما أصغر، وإما أكبر بحسب ما يقوم بقلب الراجي. وقد استدل المؤلف بقوله تعالى: {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}.
واعلم أن الرجاء المحمود لا يكون إلا لمن عمل بطاعة الله ورجاء ثوابها، أوتاب من معصيته ورجا قبول توبته، فأما الرجاء بلا عمل فهو غرور وتمن مذموم.
التوكل على الشيء الاعتماد عليه. والتوكل على الله تعالى: الاعتماد على الله تعالى كفاية وحسبًا في جلب المنافع ودفع المضار وهو من تمام الإيمان وعلاماته لقوله تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} وإذا صدق العبد في اعتماده على الله تعالى: أي كافيه ثم طمأن المتوكل بقوله: {إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ} [سورة الطلاق، الآية: 3] فلا يعجزه شيء أراده. واعلم أن التوكل أنواع:
الأول: التوكل على الله تعالى وهو من تمام الإيمان وعلامات صدقه.
ودليل الرغبة [الرغبة: محبة الوصول إلى الشيء المحبوب.] والرهبة - [والرهبة: الخوف المثمر للهرب من المخوف فهي خوف مقرون بعمل.] والخشوع [الخشوع: الذل والتطامن لعظمة الله بحيث يستسلم لقضائه الكوني والشرعي.] قوله تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [سورة الأنبياء، الآية: 90].
وهو واجب لا يتم الإيمان إلا به وسبق دليله.
الثاني: توكل السر بأن يعتمد على ميت في جلب منفعة، أو دفع مضرة فهذا شرك أكبر؛ لأنه لا يقع إلا ممن يعتقد أن لهذا الميت تصرفًا سريًا في الكون، ولا فرق بين أن يكون نبيًا، أو وليًا، أو طاغوتًا عدوًا لله تعالى.
الثالث: التوكل على الغير فيما يتصرف فيه الغير مع الشعور بعلو مرتبته وانحطاط مرتبة المتوكل عنه مثل أن يعتمد عليه في حصول المعاش ونحوه فهذا نوع من الشرك الأصغر لقوة تعلق القلب به والاعتماد عليه. أما لو اعتمد عليه على أنه سبب وأن الله تعالى هو الذي قدر ذلك على يده فإن ذلك لا بأس به، إذا كان للمتوكل بحيث ينيب غيره في أمر تجوز فيه النيابة فهذا لا بأس به بدلالة الكتاب، والسنة، والإجماع فقد قال يعقوب لبنيه {يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ} [سورة يوسف، الآية: 87] ووكل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على الصدفة عمالًا وحفاظًا، ووكل في إثبات الحدود وإقامتها، ووكل علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ في هديه في حجة الوداع أن يتصدق بجلودها وجلالها، وأن ينحر ما بقى من المئة بعد أن نحر ـ صلى الله عليه وسلم ـ بيده ثلاثًا وستين. وأما الإجماع على جواز ذلك فمعلوم من حيث الجملة.
ودليل الخشية قوله تعالى: {فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي} [سورة البقرة، الآية: 150].
في هذه الآية الكريمة وصف الله تعالى الخلص من عباده بأنهم يدعون الله تعالى رغبًا ورهبًا مع الخشوع له، والدعاء هنا شامل لدعاء العبادة ودعاء المسألة، فهم يدعون الله رغبة فيما عنده وطمعًا في ثوابه مع خوفهم من عقابه وآثار ذنوبهم، والمؤمن ينبغي أن يسعى إلى الله تعالى بين الخوف والرجاء، ويغلب الرجاء في جانب الطاعة لينشط عليها ويؤمل قبولها، ويغلب الخوف إذا هم بالمعصية ليهرب منها وينجو من عقابها.
وقال بعض العلماء: يغلب جانب الرجاء في حال المرض وجانب الخوف في حال الصحة؛ لأن المريض منكسر ضعيف النفس وعسى أن يكون قد اقترب أجله فيموت وهو يحسن الظن بالله عز وجل، وفي حال الصحة يكون نشيطًا مؤملًا طول البقاء فيحمله ذلك على الأشر والبطر فيغلب جانب الخوف ليسلم من ذلك.
وقيل يكون رجاؤه وخوفه واحدًا سواء لئلا يحمله الرجاء على الأمن من مكر الله، والخوف على اليأس من رحمة الله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} [سورة فاطر، الآية: 28] أي العلماء بعظمته وكمال سلطانه فهي أخص من الخوف، ويتضح الفرق بينهما بالمثال فإذا خفت من شخص لا تدري هل هو قادر عليك أم
ودليل الإنابة قوله تعالى: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ} [سورة الزمر، الآية: 54].
لا فهذا خوف، وإذا خفت من شخص تعلم أنه قادر عليك فهذه خشية. ويقال في أقسام أحكام الخوف.
الإنابة الرجوع إلى الله بالقيام بطاعته واجتناب معصيته وهي قريبة من معنى التوبة إلا أنها أرق منها لما تشعر به من الاعتماد على الله واللجوء إليه ولا تكون إلا لله تعالى ودليلها قوله تعالى: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ}.
والمراد بقوله تعالى: {وَأَسْلِمُوا لَهُ} الإسلام الشرعي وهوالاستسلام لأحكام الله الشريعة وذلك أن الإسلام لله تعالى نوعان:
الأول: إسلام كوني وهو الاستسلام لحكمه الكوني وهذا عام لكل من في السماوات والأرض من مؤمن وكافر، وبر وفاجر لا يمكن لأحد أن يستكبر عنه ودليله قوله تعالى: {وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} [سورة آل عمران، الآية: 83].
الثاني: إسلام شرعي وهو الاستسلام لحكمه الشرعي وهذا خاص بمن قام بطاعته من الرسل وإتباعهم بإحسان، ودليله في القرآن كثير ومنه هذه الآية التي ذكرها المؤلف رحمه الله.
ودليل الاستعانة قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [سورة الفاتحة الآية: 5] وفي الحديث (إذا استعنت فاستعن بالله) [الاستعانة طلب العون وهي أنواع:
الأول: الاستعانة بالله وهي: الاستعانة المتضمنة لكمال الذل من العبد لربه، وتفويض الأمر إليه، واعتقاد كفايته وهذه لا تكون إلا لله تعالى ودليلها قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} ووجه الاختصاص أن الله تعالى قدم المعمول {إياك} وقاعدة اللغة التي نزل بها القرآن أن تقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر والاختصاص وعلى هذا يكون صرف هذا النوع لغير الله تعالى شركًا مخرجًا عن الملة.
الثاني: الاستعانة بالمخلوق على أمر يقدر عليه فهذه على حسب المستعان عليه فإن كانت على بر فهي جائزة للمستعين مشروعة للمعين لقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى} [سورة المائدة، الآية: 2].
وإن كانت على مباح فهي جائزة للمستعين والمعين لكن المعين قد يثاب على ذلك ثواب الإحسان إلى الغير ومن ثم تكون في حقه مشروعة لقوله تعالى: {وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [سورة البقرة، الآية: 195]
الثالث: الاستعانة بمخلوق حي حاضر غير قادر فهذه لغولا طائل تحتها مثل أن يستعين بشخص ضعيف على حمل شيء ثقيل.].
ودليل الاستعاذة قوله تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [سورة الفلق، الآية: 1].
، و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاس} [سورة الناس، الآية: 1].
الرابع: الاستعانة بالأموات مطلقًا أو بالأحياء على أمر الغائب لا يقدرون على مباشرته فهذا شرك لأنه لا يقع إلا من شخص يعتقد أن لهؤلاء تصرفًا خفيًّا في الكون.
الخامس: الاستعانة بالأعمال والأحوال المحبوبة إلى الله تعالى وهذه مشروعة بأمر الله تعالى في قوله: {اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ} [سورة البقرة، الآية: 153].
وقد استدل المؤلف ـ رحمه الله تعالى ـ للنوع الأول بقوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [سورة الفاتحة، الآية: 4] وقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (إذا استعنت فاستعن بالله).
الاستعاذة: طلب الإعاذة والإعاذة الحماية من مكروه فالمستعيذ محتم بمن أستعاذ به ومعتصم به والاستعاذة أنواع:
الأول: الاستعاذة بالله تعالى وهي المتضمنة لكمال الافتقار إليه والاعتصام به واعتقاد كفايته وتمام حمايته من كل شيء حاضر أو مستقبل، صغير أو كبير، بشر أو غير بشر ودليلها قوله تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِن شَرِّ مَا خَلَقَ} إلى آخر السورة وقوله تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاس مَلِكِ النَّاسِ إِلَهِ النَّاسِ مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ} إلى آخر السورة.
الثاني: الاستعاذة بصفة ككلامه وعظمته وعزته ونحو ذلك ودليل ذلك قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق) [أخرجه مسلم، كتاب الذكر والدعاء ، باب في التعوذ من سوء القضاء ودرك الشقاء وغيره.] وقوله: (أعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي) [أخرجه الإمام أحمد 2/25 ، والنسائي 8 /677 .] وقوله: في دعاء الألم (أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر) [أخرجه الإمام أحمد 4/217 ، وأبو داود (3891) ، وأين ماجه (2522) .] وقوله: (أعوذ برضاك من سخطك) [أخرجه مسلم ، كتاب الصلاة ، باب : ما يقال في الركوع والسجود.]، وقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حين نزل قوله تعالى: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ} [سورة الأنعام، الآية: 65] فقال: (أعوذ بوجهك) [أخرجه البخاري ، كتاب الاعتصام ، باب : قوله تعالى {أو يلبسكم شيعاً}].
الثالث: الاستعاذة بالأموات أوالأحياء غير الحاضرين القادرين على العوذ فهذا شرك ومنه قوله تعالى: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} [سورة الجن، الآية: 6].
الرابع: الاستعاذة بما يمكن العوذ به من المخلوقين من البشر أوالأماكن أوغيرها فهذا جائز ودليله قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في ذكر الفتن: (من تشرف لها تستشرفه ومن وجد ملجأ أو معاذًا فليعذبه) [أخرجه البخاري، كتاب ، باب الفتن ، باب: تكون الفتنة القاعد فيها خير من القائم. ومسلم ، كتاب الفتن ، باب : نزول الفتن كمواقع القطر.
] متفق عليه وقد بين ـ صلى الله عليه وسلم ـ هذا الملجأ والمعاذ بقوله: (فمن كان له إبل فليلحق بإبله) الحديث رواه مسلم، وفي صحيحه أيضًا عن جابر ـ رضي الله عنه ـ أن امرأة من بني مخزوم سرقت فأتى بها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فعاذت بأم سلمة (1)]"> الحديث، وفي صحيحه أيضًا عن أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (يعوذ عائذ بالبيت فيبعث إليه بعث) [أخرجه مسلم ، كتاب الفتن ، باب : الخسف بالجيش يؤم البيت.]
الحديث.
ودليل الاستغاثة قوله تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ} [سورة الأنفال: الآية: 9].
ولكن إن استعاذ من شر ظالم وجب إيواؤه وإعاذته بقدر الإمكان، وإن استعاذ ليتوصل إلى فعل محظور أو الهرب من واجب حرم إيواؤه.
الاستغاثة طلب الغوث وهوالإنقاذ من الشدة والهلاك، وهو أقسام:
الأول: الاستغاثة بالله عز وجل وهذا من أفضل الأعمال وأكملها وهودأب الرسل وأتباعهم، ودليله ما ذكره الشيخ رحمه الله {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ} وكان ذلك في غزوة بدر حين نظر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى المشركين في ألف رجل وأصحابه ثلثمائة وبضعة عشر رجلًا فدخل العريش يناشد ربه عز وجل رافعًا يديه مستقبل القبلة يقول: (اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة الإسلام لا تعبد في الأرض) [أخرجه مسلم ، كتاب الجهاد، باب : الإمداد بالملائكة في غزوة بدر.] وما زال يستغيث بربه رافعًا يديه حتى سقط رداؤه عن منكبيه فأخذ أبوبكر رضي الله عنه رداءه فألقاه على منكبيه ثم ألتزمه من ورائه، وقال: يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك وعدك فأنزل الله هذه الآية.
ودليل الذبح قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [سورة الأنعام، الآيتان: 162، 163] ومن السنة: (لعن الله من ذبح لغير الله). *
الثاني: الاستغاثة بالأموات أوبالأحياء غير الحاضرين القادرين على الإغاثة فهذا شرك؛ لأنه لا يفعله إلا من يعتقد أن لهؤلاء تصرفًا خفيًا في الكون فيجعل لهم حظًا من الربوبية قال الله تعالى: {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ} [سورة النمل، الآية: 62].
الثالث: الاستغاثة بالأحياء العالمين القادرين على الإغاثة فهذا جائز كالاستعانة بهم قال الله تعالى في قصة موسى: {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ} [سورة القصص، الآية: 15].
الرابع: الاستغاثة بحي غير قادر من غير أن يعتقد أن له قوة خفية مثل أن يستغيث الغريق برجل مشلول فهذا لغو وسخرية بمن استغاث به فيمنع منه لهذه العله، ولعلة أخرى وهي الغريق ربما أغتر بذلك غيره فتوهم أن لهذا المشلول قوة خفية ينقذ بها من الشدة.
الذبح إزهاق الروح بإراقة الدم على وجه مخصوص ويقع على وجوه:
الأول: أن يقع عبادة بأن يقصد به تعظيم المذبوح له والتذلل له والتقرب إليه فهذا لا يكون إلا لله تعالى على الوجه الذي شرعه الله تعالى، وصرفه لغير الله شرك أكبر ودليله ما ذكره الشيخ رحمه الله وهو قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}.
ودليل النذر قوله تعالى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا} [سورة الإنسان، الآية: 7]
الثاني: أن يقع إكرامًا لضيف أووليمة لعرس أو نحو ذلك فهذا مأمور به إما وجوبًا أو استحبابًا لقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه) وقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لعبد الرحمن بن عوف (أولم ولو بشاة) .
الثالث: أن يقع على وجه التمتع بالأكل أو الإتجار به ونحوذلك فهذا من قسم المباح فالأصل فيه الإباحة لقوله تعالى: {أَوَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ} [سورة يس، الآيتان: 71، 72] وقد يكون مطلوبًا أو منهيًا عنه حسبما يكون وسيلة له.
أي دليل كون النذر من العبادة قوله تعالى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا} [الإنسان: 7].
وجه الدلالة من الآية أن الله أثنى عليهم لإيفائهم النذر وهذا يدل على أن الله يحب ذلك، وكل محبوب لله من الأعمال فهو عبادة.
ويؤيد ذلك قوله: {وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا} [الإنسان: 7].
واعلم أن النذر الذي امتدح الله تعالى هؤلاء القائمين به هو جميع العبادات التي فرضها الله عز وجل فإن العبادات الواجبة إذا شرع فيها.
الأصل الثاني: معرفة دين الإسلام بالأدلة وهو: الاستسلام لله بالتوحيد. .. .. .
الإنسان فقد التزم بها ودليل ذلك قوله تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [سورة الحج، الآية: 29].
والنذر هو إلزام الإنسان نفسه بشيء ما، أوطاعة لله غير واجبة مكروه، وقال بعض العلماء إنه محرم لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ نهى عن النذر وقال: (إنه لا يأتي بخير وإنما يستخرج به من البخيل) [أخرجه البخاري ، كتاب القدر ، باب: إلقاء العبد النذر إلى القدر. ومسلم ، كتاب النذر ، باب : النهي عن النذر وأنه لا يرد شيئاً.
] ومع ذلك فإذا نذر الإنسان طاعة لله وجب عليه فعلها لقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (من نذر أن يطيع الله فليطعه) [رواه البخاري ، كتاب الإيمان والنذور ، باب: النذر فيما لا يملك وفي معصية.].
والخلاصة أن النذر يطلق على العبادات المفروضة عمومًا، ويطلق على النذر الخاص وهوإلزام الإنسان نفسه بشيء لله عز وجل وقد قسم العلماء النذر الخاص إلى أقسام ومحل بسطها كتب الفقه.
أي من الأصول الثلاثة: معرفة دين الإسلام بالأدلة يعني أن يعرف دين الإسلام بأدلته من الكتاب والسنة.
دين الإسلام وإن شئت فقل الإسلام هو"الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك وأهله" فهو متضمن لأمور ثلاثة.
(4) أي بأن يستسلم العبد لربه استسلاما شرعيًا وذلك بتوحيد الله عز وجل وافراده بالعبادة، وهذا الإسلام هوالذي يحمد عليه العبد ويثاب.
(5) والانقياد له بالطاعة (2)، والبراءة من الشرك وأهله [البراءة من الشرك أي أن يتبرأ منه ، ويتخلى منه وهذا يستلزم البراءة من أهله قال الله تعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلاَّ قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [سورة الممتحنة، الآية: 4]. ؛ وهو ثلاث مراتب (3): الإسلام، والإيمان والإحسان، وكل مرتبة لها أركان (4) فأركان الإسلام خمسة (5) : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول
عليه، أما الاستسلام القدري فلا ثواب فيه لأنه لا حيلة للإنسان فيه قال الله تعالى: {وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} [سورة آل عمران، الآية: 83].
دليل ذلك قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الحديث الذي رواه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ حين جاء جبريل يسأل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن الإسلام والإحسان وبين له ـ صلى الله عليه وسلم ـ ذلك وقال: هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم).
دليل ذلك حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام). [رواه البخاري، كتاب الإيمان باب: قول النبي عليه الصلاة والسلام : "بني الإسلام على خمس . . . " ومسلم ، كتاب الإيمان ، باب : بيان أركان الإسلام ودعائمه العظام.]
شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ركن واحد وإنما كانتا ركنا واحدًا مع أنهما من شقين لأن العبادات تبني على تحقيقهما معًا، فلا تقبل العبادة إلا بالإخلاص لله عز وجل وهو ما تتضمنه شهادة أن محمدًا رسول الله.
في الآية الكريمة شهادة الله لنفسه بأنه لا إله إلا هو، وشهادة الملائكة وشهادة أهل العلم بذلك وأنه تعالى قائم بالقسط أي العدل ثم قرر ذلك بقوله: {لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} وفي هذه الآية منقبة عظيمة لأهل العلم حيث أخبر أنهم شهداء معه ومع الملائكة والمراد بهم أولوا العلم بشريعته ويدخل فيهم دخولًا أوليًا رسله الكرام.
فدليل الشهادة قوله تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [سورة آل عمران، الآية: 18]
وهذه الشهادة أعظم شهادة لعظم الشاهد والمشهود به، فالشاهد هو الله وملائكته، وأولو العلم، والمشهود به توحيد الله في ألوهيته وتقرير ذلك {لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}.
ومعناها: لا معبود بحث إلا الله؛ "لا إله" نافيًا جميع ما يعبد من دون الله "إلا الله" مثبتًا العبادة لله وحده لا شريك له في عبادته، كما أنه لا شريك له في ملكه.
أي معنى لا إله إلا الله ألا معبود بحق إلا الله فشهادة أن لا إله إلا الله أن يعترف الإنسان بلسانه وقلبه بأنه لا معبود حق إلا الله عز وجل لأنه "إله" بمعنى مألوه، والتأله التعبد، وجملة " لا إله إلا الله" مشتملة على نفي وإثبات، أما النفي فهو" لا إله" وأمال الإثبات "إلا الله" و"الله" لفظ الجلالة بدل من خبر " لا " المحذوف والتقدير "لا إله حق إلا الله" وبتقديرنا الخبر بهذه الكلمة "حق" يتبين الجواب عن الإشكال التالي: وهوكيف يقال " لا إله إلا الله" مع أن هناك آلهة تعبد من دون الله وقد سماها الله تعالى آلهة وسماها عابدوها آلهة قال الله تبارك وتعالى: {فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مِن شَيْءٍ لَّمَّا جَاء أَمْرُ رَبِّكَ} [سورة هود، الآية: 110] وكيف يمكن أن نثبت الألوهية لغير الله عز وجل والرسل يقولون لأقوامهم {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}؟ [سورة الأعراف، الآية: 59] والجواب على هذا الأشكال يتبين بتقدير الخبر في " لا إله إلا الله" فنقول: هذه الآلهة التي تعبد من دون الله هي آلهة لكنها آلهة باطلة ليست آلهة حقة وليس لها من حق الألوهية شيء، ويدل لذلك قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [سورة الحج، الآية: 62] ويدل لذلك أيضًا قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنثَى تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى
وتفسيرها الذي يوضحها، قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ.
{سُلْطَانٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى} [سورة النجم، الآيات: 19-23] وقوله تعالى عن يوسف عليه الصلاة والسلام: {سُلْطَانٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى} [سورة يوسف الآية: 40] إذن فمعنى " لا إله إلا الله " لا معبود حق إلا الله عز وجل، فأما المعبودات سواه فإن ألوهيتها التي يزعمها عابدوها ليست حقيقة أي ألوهية باطلة.
إبراهيم هو خليل الله إمام الحنفاء، وأفضل الرسل بعد محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأبوه آزر.
(براء) صفة مشبهة بالبراءة وهي أبلغ من بريء. وقوله: {إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ} يوافي قول " لا إله ".
خلقني ابتداء على الفطرة وقوله: {إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ} يوافي قوله "إلا الله" فهوسبحانه وتعالى لا شريك له في ملكه ودليل ذلك قوله تعالى: {أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [سورة الأعراف، الآية: 54] ففي هذه الآية حصر الخلق والأمر لله رب العالمين وحده فله الخلق وله الأمر الكوني الشرعي.
{سيهدين} سيدلني على الحق ويوفقني له.
{وجعلها} أي هذه الكلمة وهي البراءة من كل معبود سوى الله.
وقوله: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [سورة آل عمران، الآية: 64].
{فِي عَقِبِهِ} في ذريته.
{لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} أي إليها من الشرك.
الخطاب للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لمناظرة أهل الكتاب اليهود والنصارى.
{تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} هذه الكلمة هي ألا نعبد إلا الله هي معنى "لا إله إلا الله"، ومعنى {تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} أننا نحن وإياكم سواء فيها.
أي لا يتخذ بعضنا بعضًا أربابًا من دون الله عز وجل بحيث يعظم كما يعظم الله عز وجل، ويعبد كما يعبد الله، ويجعل الحكم لغيره.
{فإن تولوا} أعرضوا عما دعوتموهم إليه.
أي فأعلنوا لهم واشهدوهم أنكم مسلمون لله، بريئون مما هم عليه من العناد والتولي عن هذه الكلمة العظيمة "لا إله إلا الله" .
ودليل شهادة أن محمدًا رسول الله قوله تعالى: {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [سورة التوبة، الآية: 128].
قوله {من أنفسكم} أي من جنسكم بل هو من بينكم أيضًا كما قال تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ} [سورة الجمعة، الآية: 2].
أي يشق عليه ما شق عليكم.
أي على منفعتكم ودفع الضر عنكم.
أي ذو رأفة ورحمة بالمؤمنين، وخص المؤمنين بذلك لأنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ مأمور بجهاد الكفار والمنافقين والغلظة عليهم، وهذه الأوصاف لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ تدل على أنه رسول الله حقًا كما دل على ذلك قوله تعالى: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ} [سورة الفتح، الآية: 29] وقوله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} [سورة الأعراف، الآية: 158] والآيات في هذا المعنى كثيرة جدًا تدل على أن محمدًا رسول الله حقًا.
ومعنى شهادة أن محمدًا رسول الله: طاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما عنه نهى وزجر، وأن لا يعبد الله إلا بما شرع.