الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **
قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون} [آل عمران: 200]. وقال: {إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين} [يوسف: 90]. وقال عن لقمان: {يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور} [لقمان: 19]. وقال: {وبشر الصابرين} [البقرة: 155]. ومأمور في جانب الطاعة بالإخلاص والاستغفار قال الله تعالى: {فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات} [غافر: 55]. وقال: {أن لا تعبدوا إلا الله إنني لكم منه نذير وبشير. وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه} [هود: 3]. وقال تعالى: {قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فاستقيموا إليه واستغفروه} [فصلت: 6]. وقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (يا أيها الناس توبوا إلى ربكم فإني أتوب إليه في اليوم مائة مرة). وقال: (إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة) أخرجهما مسلم. وروى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: (والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة). والجامع لهذا: أنه لابد في الأمر من أصلين، ولابد في القدر من أصلين أيضًا. أما الأصلان في الأمر فهما: أصل قبل العمل أو مقارن له وهو: الاجتهاد في الامتثال علمًا، وعملًا فيجتهد في العلم بالله تعالى: وأسمائه وصفاته، وأحكامه، ثم يعمل بما يقتضيه ذلك العلم من تصديق الأخبار، والعمل بالأحكام، فعلًا للمأمور، وتركًا للمحظور. والثاني: أصل بعد العمل وهو الاستغفار والتوبة من التفريط في المأمور، أو التعدي في المحظور ولهذا كان من المشروع ختم الأعمال بالاستغفار كما قال الله تعالى: {والمستغفرين بالأسحار} [آل عمران: 17]. فقاموا الليل وختموه بالاستغفار، وكان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثًا. وآخر سورة نزلت عليه سورة النصر {إذا جاء نصر الله والفتح . ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجًا . فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابًا} [النصر:1: 3]. فكان بعد نزولها يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي. وكان نزولها إيذانًا بقرب أجله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما قال ابن عباس رضي الله عنهما في مجلس أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه بمحضر من الصحابة فأقره عمر رضي الله عنه وقال: ما أعلم منها إلا ما تقول. وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يكثر أن يقول قبل أن يموت: سبحانك وبحمدك أستغفرك وأتوب إليك. فجعل الاستغفار والتوبة خاتمة العمر كما جعلتا خاتمة العمل. وأما الأصلان في القدر فهما: أصل قبل المقدور وهو: الاستعانة بالله عز وجل، والاستعاذة به، ودعاؤه رغبة ورهبة فيكون معتمدًا على ربه، ملتجئًا إليه في حصول المطلوب ودفع المكروه. والثاني بعد المقدور وهو: الصبر على المقدور حيث يفوت مطلوبه، أو يقع مكروهه فيوطن نفسه عليه بحيث يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وأن الحال لا يمكن أن تتغير عما قدره الله تعالى: فيرضى بذلك ويسلم وينشرح صدره ويذهب عنه الندم والحزن كما قال الله تعالى: {ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه والله بكل شيء عليم} [التغابن: 11]. قال ابن عباس رضي الله عنهما: يهد قلبه لليقين فيعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه. وقال علقمة في الآية: هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم. فإذا راعى الأمر والقدر على الوجه الذي ذكرنا كان عابدًا لله تعالى: مستعينًا به متوكلًا عليه من الذين أنعم الله عليهم . وقد جمع الله بين هذين الأصلين في أكثر من موضع كقوله تعالى: {إياك نعبد وإياك نستعين} [الفاتحة:5]. وقوله: {فاعبده وتوكل عليه} [هود: 123]. وقوله: {وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب} [هود: 88].
|