الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **
*3* الشرح: قوله: (باب من أحب أن يستمع القرآن من غيره) في رواية الكشميهني " القراءة " ذكر فيه حديث ابن مسعود " قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: اقرأ علي القرآن " أورده مختصرا، ثم أورده مطولا في الباب الذي بعده " باب قول المقرئ للقارئ حسبك " والمراد بالقرآن بعض القرآن، والذي في معظم الروايات " اقرأ علي " ليس فيه لفظ " القرآن " بل أطلق فيصدق بالبعض، قال ابن بطال: يحتمل أن يكون أحب أن يسمعه من غيره ليكون عرض؛ القرآن سنة، ويحتمل أن يكون لكي يتدبره ويتفهمه، وذلك أن المستمع أقوى على التدبر ونفسه أخلى وأنشط لذلك من القارئ لاشتغاله بالقراءة وأحكامها، وهذا بخلاف قراءته هو صلى الله عليه وسلم على أبي بن كعب كما تقدم في المناقب وغيرها فإنه، أراد أن يعلمه كيفية أداء القراءة ومخارج الحروف ونحو ذلك، ويأتي شرح الحديث بعد أبواب في " باب البكاء عند قراءة القرآن" *3* الحديث: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبِيدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اقْرَأْ عَلَيَّ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ آقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ قَالَ نَعَمْ فَقَرَأْتُ سُورَةَ النِّسَاءِ حَتَّى أَتَيْتُ إِلَى هَذِهِ الْآيَةِ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا قَالَ حَسْبُكَ الْآنَ فَالْتَفَتُّ إِلَيْهِ فَإِذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ الشرح: (لا يوجد شرح لهذا الحديث). *3* وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ الشرح: قوله: (باب في كم يقرأ القرآن؟ وقول الله تعالى فاقرءوا ما تيسر منه) كأنه أشار إلى الرد على من قال أقل ما يجزئ من القراءة في كل يوم وليلة جزء من أربعين جزءا من القرآن، وهو منقول عن إسحاق بن راهويه والحنابلة لأن عموم قوله: وقد أخرج أبو داود من وجه آخر عن عبد الله بن عمرو " في كم يقرأ القرآن؟ قال: في أربعين يوما. ثم قال " في شهر " الحديث ولا دلالة فيه على المدعي. الحديث: حَدَّثَنَا عَلِيٌّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ لِي ابْنُ شُبْرُمَةَ نَظَرْتُ كَمْ يَكْفِي الرَّجُلَ مِنْ الْقُرْآنِ فَلَمْ أَجِدْ سُورَةً أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثِ آيَاتٍ فَقُلْتُ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَقْرَأَ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثِ آيَاتٍ قَالَ عَلِيٌّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ أَخْبَرَنَا مَنْصُورٌ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ أَخْبَرَهُ عَلْقَمَةُ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ وَلَقِيتُهُ وَهُوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ فَذَكَرَ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ مَنْ قَرَأَ بِالْآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ الشرح: قوله: (حدثنا علي) هو ابن المديني، وسفيان هو ابن عيينة، وابن شبرمة هو عبد الله قاضي الكوفة ولم يخرج له البخاري إلا في موضع واحد يأتي في الأدب شاهدا. وأخرج من كلامه غير ذلك. قوله: (كم يكفي الرجل من القرآن) ؟ أي في الصلاة. قوله: (قال علي) هو ابن المديني، وهو موصول من تتمة الخبر المذكور، ومنصور هو ابن المعتمر، وإبراهيم هو النخعي. وقد تقدم نقل الاختلاف في روايته لهذا الحديث عن عبد الرحمن بن يزيد وعن علقمة في " باب فضل سورة البقرة " وتقدم بيان المراد بقوله " كفتاه " وما استدل به ابن عيينة إنما يجئ على أحد ما قيل في تأويل " كفتاه " أي في القيام في الصلاة بالليل، وقد خفيت مناسبة حديث أبي مسعود بالترجمة على ابن كثير، والذي يظهر أنها من جهة أن الآية المترجم بها تناسب ما استدل به ابن عيينة من حديث أبي مسعود والجامع بينهما أن كلا من الآية والحديث يدل على الاكتفاء، بخلاف ما قال ابن شبرمة. الحديث: حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ أَنْكَحَنِي أَبِي امْرَأَةً ذَاتَ حَسَبٍ فَكَانَ يَتَعَاهَدُ كَنَّتَهُ فَيَسْأَلُهَا عَنْ بَعْلِهَا فَتَقُولُ نِعْمَ الرَّجُلُ مِنْ رَجُلٍ لَمْ يَطَأْ لَنَا فِرَاشًا وَلَمْ يُفَتِّشْ لَنَا كَنَفًا مُنْذُ أَتَيْنَاهُ فَلَمَّا طَالَ ذَلِكَ عَلَيْهِ ذَكَرَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ الْقَنِي بِهِ فَلَقِيتُهُ بَعْدُ فَقَالَ كَيْفَ تَصُومُ قَالَ كُلَّ يَوْمٍ قَالَ وَكَيْفَ تَخْتِمُ قَالَ كُلَّ لَيْلَةٍ قَالَ صُمْ فِي كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةً وَاقْرَئِ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ شَهْرٍ قَالَ قُلْتُ أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْجُمُعَةِ قُلْتُ أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ أَفْطِرْ يَوْمَيْنِ وَصُمْ يَوْمًا قَالَ قُلْتُ أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ صُمْ أَفْضَلَ الصَّوْمِ صَوْمَ دَاوُدَ صِيَامَ يَوْمٍ وَإِفْطَارَ يَوْمٍ وَاقْرَأْ فِي كُلِّ سَبْعِ لَيَالٍ مَرَّةً فَلَيْتَنِي قَبِلْتُ رُخْصَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَاكَ أَنِّي كَبِرْتُ وَضَعُفْتُ فَكَانَ يَقْرَأُ عَلَى بَعْضِ أَهْلِهِ السُّبْعَ مِنْ الْقُرْآنِ بِالنَّهَارِ وَالَّذِي يَقْرَؤُهُ يَعْرِضُهُ مِنْ النَّهَارِ لِيَكُونَ أَخَفَّ عَلَيْهِ بِاللَّيْلِ وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَقَوَّى أَفْطَرَ أَيَّامًا وَأَحْصَى وَصَامَ مِثْلَهُنَّ كَرَاهِيَةَ أَنْ يَتْرُكَ شَيْئًا فَارَقَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي ثَلَاثٍ وَفِي خَمْسٍ وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى سَبْعٍ الشرح: قوله: (حدثنا موسى) هو ابن إسماعيل التبوذكي، ومغيرة هو ابن مقسم. قوله: (أنكحني أبي) أي زوجني، وهو محمول على أنه كان المشير عليه بذلك، وإلا فعبد الله بن عمرو حينئذ كان رجلا كاملا". ويحتمل أن يكون قام عنه بالصداق ونحو ذلك. قوله: (امرأة ذات حسب) في رواية أحمد عن هشيم عن مغيرة وحصين عن مجاهد في هذا الحديث " امرأة من قريش " أخرجه النسائي، من هذا الوجه، وهي أم محمد بنت محمية - بفتح الميم وسكون المهملة وكسر الميم بعدها تحتانية مفتوحة خفيفة - ابن جزء الزبيدي حليف قريش ذكرها الزبير وغيره. قوله: (كنته) بفتح الكاف وتشديد النون هي زوج الولد. قوله: (نعم الرجل من رجل لم يطأ لنا فراشا) قال ابن مالك: يستفاد منه وقوع التمييز بعد فاعل " نعم " الظاهر، وقد منعه سيبويه وأجازه المبرد. وقال الكرماني يحتمل أن يكون التقدير نعم الرجل من الرجال، قال: وقد تفيد النكرة في الإثبات التعميم كما في قوله تعالى قوله: (لم يطأ لنا فراشا) أي لم يضاجعنا حتى يطأ فراشنا. قوله: (ولم يفتش لنا كنفا) كذا للأكثر بفاء ومثناة ثقيلة وشين معجمة. وفي رواية أحمد والنسائي والكشميهني " ولم يغش " بغين معجمة ساكنة بعدها شين معجمة وكنفا بفتح الكاف والنون بعدها فاء هو الستر والجانب، وأرادت بذلك الكناية عن عدم جماعه لها، لأن عادة الرجل أن يدخل يده مع زوجته في دواخل أمرها. وقال الكرماني: يحتمل أن يكون المراد بالكنف الكنيف وأرادت أنه لم يطعم عندها حتى يحتاج إلى أن يفتش عن موضع قضاء الحاجة، كذا قال والأول أولى، وزاد في رواية هشيم " فأقبل علي يلومني فقال: أنكحتك امرأة من قرش ذات حسب فعضلتها وفعلت، ثم انطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم فشكاني". قوله: (فلما طال ذلك) أي على عمرو (ذكر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم) وكأنه تأنى في شكواه رجاء أن يتدارك، فلما تمادى على حاله خشي أن يلحقه إثم بتضييع حق الزوجة فشكاه. قوله: (فقال القني) أي قال لعبد الله بن عمرو وفي رواية هشيم " فأرسل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويجمع بينهما بأنه أرسل إليه أولا ثم لقيه اتفاقا فقال له اجتمع بي. قوله: (فقال كيف تصوم؟ قلت أصوم كل يوم) تقدم ما يتعلق بالصوم في كتاب الصوم مشروحا، وقوله في هذه الرواية " صم ثلاثة أيام في الجمعة، قلت أطيق أكثر من ذلك. قال: صم يوما وأفطر يومين، قلت: أطيق أكثر من ذلك " قال الداودي. هذا وهم من الراوي لأن ثلاثة أيام من الجمعة أكثر من فطر يومين وصيام يوم، وهو إنما يدرجه من الصيام القليل إلى الصيام الكثير. قلت: وهو اعتراض متجه، فلعله وقع من الراوي فيه تقديم وتأخير، وقد سلمت رواية هشيم من ذلك فإن لفظه " صم في كل شهر ثلاثة أيام، قلت، إني أقوى أكثر من ذلك. فلم يزل يرفعني حتى قال صم يوما وأفطر يوما". قوله: (واقرأ في كل سبع ليال مرة) أي اختم في كل سبع (فليتني قبلت) كذا وقع في هذه الرواية اختصارا، وفي غيرها مراجعات كثيرة في ذلك كما سأبينه. قوله: (فكان يقرأ) هو كلام مجاهد يصف صنيع عبد الله بن عمرو لما كبر، وقد وقع مصرحا به في، رواية هشيم. قوله: (على بعض أهله) أي على من تيسر منهم، وإنما كان يصنع ذلك بالنهار ليتذكر ما يقرأ به في قيام الليل خشية أن يكون خفي عليه شيء منه بالنسيان. قوله: (وإذا أراد أن يتقوى أفطر أياما إلخ) يؤخذ منه أن الأفضل لمن أراد أن يصوم صوم داود أن يصوم يوما ويفطر يوما دائما، ويؤخذ من صنيع عبد الله بن عمرو أن من أفطر من ذلك وصام قدر ما أفطر أنه يجزئ عنه صيام يوم وإفطار يوم. قوله: (وقال بعضهم في ثلاث أو في سبع) كذا لأبي ذر، ولغيره " في ثلاث وفي خمس " وسقط ذلك للنسفي، وكأن المصنف أشار بذلك إلى رواية شعبة عن مغيرة بهذا الإسناد فقال " اقرأ القرآن في كل شهر " قال: إني أطيق أكثر من ذلك، فما زال حتى قال في ثلاث، فإن الخمس تؤخذ منه بطريق التضمن، وقد تقدم للمصنف في كتاب الصيام. ثم وجدت في مسند الدارمي من طريق أبي فروة عن عبد الله بن عمرو قال " قلت: يا رسول الله في كم أختم القرآن؟ قال: اختمه في شهر. قلت: إني أطيق، قال: اختمه في خمسة وعشرين، قلت: إني أطيق. قال: اختمه في عشرين. قلت: إني أطيق. قال: اختمه في خمس عشرة. قلت: إني أطيق. قال: اختمه في خمس. قلت: إني أطيق. قال: لا " وأبو فروة هذا هو الجهني واسمه عروة بن الحارث، وهو كوفي ثقة. ووقع في رواية هشيم المذكورة " قال فأقرأه في كل شهر، قلت: إني أجدني أقوى من ذلك. قال فاقرأه في كل عشرة أيام. قلت: إني أجدني أقوى من ذلك " قال أحدهما إما حصين وإما مغيرة " قال فاقرأه في كل ثلاث " وعند أبي داود والترمذي مصححا من طريق يزيد بن عبد الله بن الشخير عن عبد الله بن عمرو مرفوعا " لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث " وشاهده عند سعيد بن منصور بإسناد صحيح من وجه آخر عن ابن مسعود " اقرءوا القرآن في سبع ولا تقرءوه في أقل من ثلاث " ولأبي عبيد من طريق الطيب بن سلمان عن عمرة عن عائشة " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يختم القرآن في أقل من ثلاث " وهذا اختيار أحمد وأبي عبيد وإسحاق بن راهويه وغيرهم وثبت عن كثير من السلف أنهم قرءوا القرآن في دون ذلك، قال النووي: والاختيار أن ذلك يختلف بالأشخاص، فمن كان من أهل الفهم وتدقيق الفكر استحب له أن يقتصر على القدر الذي لا يختل به المقصود من التدبر واستخراج المعاني، وكذا من كان له شغل بالعلم أو غيره من مهمات الدين ومصالح المسلمين العامة يستحب له أن يقتصر منه على القدر الذي لا يخل بما هو فيه، ومن لم يكن كذلك فالأولى له الاستكثار ما أمكنه من غير خروج إلى الملل ولا يقرؤه هذرمة. والله أعلم. قوله: (وأكثرهم) أي أكثر الرواة عن عبد الله بن عمرو. قوله: (على سبع) كأنه يشير إلى رواية أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عبد الله بن عمرو الموصولة عقب هذا، فإن في آخره " ولا يزد على ذلك " أي لا يغير الحال المذكورة إلى حالة أخرى، فأطلق الزيادة والمراد النقص، والزيادة هنا بطريق التدلي أي لا يقرؤه في أقل من سبع. ولأبي داود والترمذي والنسائي من طريق وهب بن منبه " عن عبد الله بن عمرو أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: في كم يقرأ القرآن؟ قال: في أربعين يوما. ثم قال: في شهر. ثم قال: في عشرين. ثم قال: في خمس عشرة، ثم قال: في عشر. ثم قال في سبع. ثم لم ينزل عن سبع " وهذا إن كان محفوظا احتمل في الجمع بينه وبين رواية أبي فروة تعدد القصة، فلا مانع أن يتعدد قول النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو لك تأكيدا، ويؤيده الاختلاف الواقع في السياق، وكأن النهي عن الزيادة ليس على التحريم، كما أن الأمر في جميع ذلك ليس للوجوب، وعرف ذلك من قرائن الحال التي أرشد إليها السياق، وهو النظر إلى عجزه عن سوى ذلك في الحال أو في المال، وأغرب بعض الظاهرية فقال: يحرم أن يقرأ القرآن في أقل من ثلاث. وقال النووي: أكثر العلماء على أنه لا تقدير في ذلك، وإنما هو بحسب النشاط والقوة، فعلى هذا يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص والله أعلم. الحديث: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كَمْ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ الشرح: قوله: (عن يحيى) هو ابن أبي كثير، ومحمد بن عبد الرحمن وقع في الإسناد الثاني أنه مولى زهرة، وهو محمد ابن عبد الرحمن بن ثوبان، فقد ذكر ابن حبان في " الثقاب " أنه مولى الأخنس بن شريق الثقفي، وكان الأخنس ينسب زهريا لأنه كان من حلفائهم، وجزم جماعة بأن ابن ثوبان عامري، فلعله كان ينسب عامريا بالأصالة وزهريا بالحلف ونحو ذلك. والله أعلم. (تنبيه) : هذا التعليق وهو قوله " وقال بعضهم إلخ " ذهلت عن تخريجه في " تعليق التعليق " وقد يسر الله تعالى بتحريره هنا ولله الحمد. قوله: (في كم تقرأ القرآن) ؟ كذا اقتصر البخاري في إسناد العالي على بعض المتن ثم حوله إلى الإسناد الآخر، وإسحاق شيخه فيه هو ابن منصور، وعبيد الله هو ابن موسى وهو من شيوخ البخاري، إلا أنه ربما حدث عنه بواسطة كما هنا. الحديث: حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ شَيْبَانَ عَنْ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَوْلَى بَنِي زُهْرَةَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ وَأَحْسِبُنِي قَالَ سَمِعْتُ أَنَا مِنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اقْرَئِ الْقُرْآنَ فِي شَهْرٍ قُلْتُ إِنِّي أَجِدُ قُوَّةً حَتَّى قَالَ فَاقْرَأْهُ فِي سَبْعٍ وَلَا تَزِدْ عَلَى ذَلِكَ الشرح: قوله: (عن أبي سلمة - قال وأحسبني قال سمعت أنا من أبي سلمة) قائل ذلك هو يحيى بن أبي كثير، قال الإسماعيلي: خالف أبان بن يزيد العطار شيبان بن عبد الرحمن في هذا الإسناد عن يحيى بن أبي كثير، ثم ساقه من وجهين، عن أبان عن يحيى عن محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي سلمة وزاد في سياقه بعد قوله أقرأه في شهر " قال إني أجد قوة. قال في عشرين. قال: إني أجد قوة. قال: في عشر قال: إني أجد قوة. قال: في سبع ولا تزد على ذلك " قاله الإسماعيلي: ورواه عكرمة بن عمار عن يحيى قال " حدثنا أبو سلمة " بغير واسطة، وساقه من طريقه، قلت: كأن يحيى بن أبي كثير كان يتوقف في تحديث أبي سلمة له ثم تذكر أنه حدثه به أو بالعكس كان يصرح بتحديثه ثم توقف وتحقق أنه سمعه بواسطة محمد بن عبد الرحمن، ولا يقدح في ذلك مخالفة أبان لأن شيبان أحفظ من أبان، أو كان عند يحيى عنهما ويؤيده اختلاف سياقهما، وقد تقدم في الصيام من طريق الأوزاعي عن يحيى عن أبي سلمة مصرحا بالسماع بغير توقف لكن لبعض الحديث في قصة الصيام حسب. قال الإسماعيلي: قصة الصيام لم تختلف على يحيى في روايته إياها عن أبي سلمة عبد الله بن عمرو بغير واسطة. (تنبيه) : المراد بالقرآن في حديث الباب جميعه، ولا يرد على هذا أن القصة وقعت قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم بمدة وذلك قبل أن ينزل بعض القرآن الذي تأخر نزوله، لأنا نقول سلمنا ذلك لكن العبرة بما دل عليه الإطلاق وهو الذي فهم الصحابي فكان يقول: ليتني لو قبلت الرخصة. ولا شك أنه بعد النبي صلى الله عليه وسلم كان قد أضاف الذي نزل آخرا إلى ما نزل أولا، فالمراد بالقرآن جميع ما كان نزل إذ ذاك وهو معظمه، ووقعت الإشارة إلى أن ما نزل بعد ذلك يوزع بقسطه، والله أعلم *3* الشرح: قوله: (باب البكاء عند قراءة القرآن) قال النووي: البكاء عند قراءة القرآن صفة العارفين وشعار الصالحين، قال الله تعالى قال الغزالي: يستحب البكاء مع القراءة وعندها، وطريق تحصيله أن يحضر قلبه الحزن والخوف بتأمل ما فيه من التهديد والوعيد الشديد والوثائق والعهود ثم ينظر تقصيره في ذلك، فإن لم يحضره حزن فليبك على فقد ذلك وأنه من أعظم المصائب. ثم ذكر المصنف في الباب حديث ابن مسعود المذكور في تفسير سورة النساء وساق المتن هناك على لفظ شيخه صدقة بن الفضل المروزي. وساقه هنا على لفظ شيخه مسدد كلاهما عن يحيى القطان. وعرف من هنا المراد بقوله " بعض الحديث عن عمرو بن مرة " وحاصله أن الأعمش سمع الحديث المذكور من إبراهيم النخعي، وسمع بعضه من عمرو ابن مرة عن إبراهيم، وقد أوضحت ذلك في تفسير سورة النساء أيضا، ويظهر لي أن القدر الذي عن الأعمش عن عمرو بن مرة من هذا الحديث من قوله " فقرأت النساء " إلى آخر الحديث، وأما ما قبله إلى قوله " أن أسمعه من غيري " فهو عند الأعمش عن إبراهيم هو في الطريق الثانية في هذا الباب، وكذا أخرجه المصنف من وجه آخر عن الأعمش قبل ببابين، وتقدم قبل بباب واحد عن محمد بن يوسف الفريابي عن سفيان الثوري مقتصرا على طريق الأعمش عن إبراهيم من غير تبيين التفصيل الذي في رواية يحيى القطان عن الثوري، وهو يقتضي أن في رواية الفريابي إدراجا. وقوله في هذه الرواية " عن أبيه " هو معطوف على قوله " عن سليمان " وهو الأعمش، وحاصله أن سفيان الثوري روى هذا الحديث عن الأعمش، ورواه أيضا عن أبيه وهو سعيد بن مسروق الثوري عن أبي الضحى، ورواية إبراهيم عن عبيدة بن عمرة عن ابن مسعود موصولة، ورواية أبي الضحى عن عبد الله بن مسعود منقطعة، ووقع في رواية أبي الأحوص عن سعيد بن مسروق عن أبي الضحى " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعبد الله بن مسعود " فذكره، وهذا أشد انقطاعا أخرجه سعيد بن منصور، وقوله "اقرأ علي " وقع في رواية علي بن مسهر عن الأعمش بلفظ " قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر اقرأ علي " ووقع في رواية محمد بن فضالة الظفري أن ذلك كان وهو صلى الله عليه وسلم في بني ظفر أخرجه ابن أبي حاتم والطبراني وغيرهما من طريق يونس بن محمد بن فضالة عن أبيه " أن النبي صلى الله عليه وسلم آتاهم في بني طفر ومعه ابن مسعود وناس من أصحابه، فأمر قارئا فقرأ، فأتى على هذه الآية وأخرج ابن المبارك في الزهد من طريق سعيد بن المسيب قال " ليس من يوم إلا يعرض على النبي صلى الله عليه وسلم أمته غدوة وعشية فيعرفهم بسيماهم وأعمالهم. فلذلك يشهد عليهم " ففي هذا المرسل ما يرفع الإشكال الذي تضمنه حديث ابن فضالة والله أعلم. قال ابن بطال: إنما بكى صلى الله عليه وسلم عند تلاوته هذه الآية لأنه مثل لنفسه أهوال يوم القيامة وشدة الحال الداعية له إلى شهادته لأمته بالتصديق وسؤاله الشفاعة لأهل الموقف، وهو أمر بحق له طول البكاء انتهى. والذي يظهر أنه بكى رحمة لأمته، لأنه علم أنه لا بد أن يشهد عليهم بعملهم وعملهم قد لا يكون مستقيما فقد يفضي إلى تعذيبهم، والله أعلم *3* الشرح: قوله: (باب إثم من راءى بقراءة القرآن، أو تأكل به) كذا للأكثر. وفي رواية " رايا " بتحتانية بدل المعجمة، وتأكل أي طلب الأكل، وقوله "أو فجر به " للأكثر بالجيم، وحكى ابن التين أن في رواية بالخاء المعجمة. الحديث: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ خَيْثَمَةَ عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ يَأْتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ حُدَثَاءُ الْأَسْنَانِ سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ يَمْرُقُونَ مِنْ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ لَا يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ فَإِنَّ قَتْلَهُمْ أَجْرٌ لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الشرح: حديث علي في ذكر الخوارج، وقد تقدم في علامات النبوة. وأغرب الداودي فزعم أنه وقع هنا " عن سويد بن غفلة قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم " قال واختلف في صحبة سويد، والصحيح ما هنا أنه سمع من النبي صلى الله عليه وسلم، كذا قال معتمدا على الغلط الذي نشأ له عن السقط، والذي في جميع نسخ صحيح البخاري " عن سويد بن غفلة عن علي رضي الله عنه قال: سمعت " وكذا في جميع المسانيد، وهو حديث مشهور لسويد بن غفلة عن علي، ولم يسمع سويد من النبي صلى الله عليه وسلم على الصحيح، وقد قيل إنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم ولا يصح، والذي يصح أنه قدم المدينة حين نفضت الأيدي من دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصح سماعه من الخلفاء الراشدين وكبار الصحابة، وصح أنه أدى صدقة ماله في حياة النبي صلى الله عليه وسلم. قال أبو نعيم: مات سنة ثمانين. وقال أبو عبيد سنة إحدى. وقال عمرو بن علي سنة اثنتين، وبلغ مائة وثلاثين سنة. وهو جعفي يكنى أبا أمية، نزل الكوفة ومات بها. وسيأتي البحث في قتال الخوارج في كتاب المحاربين، وقوله "الأحلام " أي العقول، وقوله "يقولون من خير قول البرية " هو من المقلوب والمراد من " قول خير البرية " أي من قول الله، وهو المناسب للترجمة، وقوله "لا يجاوز حناجرهم " قال الداودي: يريد أنهم تعلقوا بشيء منه. قلت: إن كان مراده بالتعلق الحفظ فقط دون العلم بمدلوله فعسى أن يتم له مراده، وإلا فالذي فهمه الأئمة من السياق أن المراد أن الإيمان لم يرسخ في قلوبهم لأن ما وقف عند الحلقوم فلم يتجاوزه لا يصل إلى القلب. وقد وقع في حديث حذيفة نحو حديث أبي سعيد من الزيادة " لا يجاوز تراقيهم ولا تعيه قلوبهم". الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ يَخْرُجُ فِيكُمْ قَوْمٌ تَحْقِرُونَ صَلَاتَكُمْ مَعَ صَلَاتِهِمْ وَصِيَامَكُمْ مَعَ صِيَامِهِمْ وَعَمَلَكُمْ مَعَ عَمَلِهِمْ وَيَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ يَنْظُرُ فِي النَّصْلِ فَلَا يَرَى شَيْئًا وَيَنْظُرُ فِي الْقِدْحِ فَلَا يَرَى شَيْئًا وَيَنْظُرُ فِي الرِّيشِ فَلَا يَرَى شَيْئًا وَيَتَمَارَى فِي الْفُوقِ الشرح: حديث أبي سلمة عن أبي سعيد في ذكر الخوارج أيضا، وسيأتي شرحه أيضا في استتابة المرتدين، وتقدم من وجه آخر في علامات النبوة. ومناسبة هذين الحديثين للترجمة أن القراءة إذا كانت لغير الله فهي للرياء أو للتأكل به ونحو ذلك، فالأحاديث الثلاثة دالة لأركان الترجمة لأن منهم من رايا به وإليه الإشارة في حديث أبي موسى، ومنهم من تأكل به وهو مخرج من حديثه أيضا، ومنهم من فجر به وهو مخرج من حديث علي وأبي سعيد. وقد أخرج أبو عبيد في " فضائل القرآن " من وجه آخر عن أبي سعيد وصححه الحاكم رفعه " تعلموا القرآن واسألوا الله به قبل أن يتعلمه قوم يسألون به الدنيا، فإن القرآن يتعلمه ثلاثة نفر: رجل يباهى به، ورجل يستأكل به. ورجل يقرؤه لله " وعند ابن أبي شيبة من حديث ابن عباس موقوفا " لا تضربوا كتاب الله بعضه ببعض، فإن ذلك يوقع الشك في قلوبكم " وأخرج أحمد وأبو يعلى من حديث عبد الرحمن بن شبل رفعه " اقرءوا القرآن ولا تغلوا فيه ولا تحفوا عنه ولا تأكلوا به " الحديث وسنده قوي. وأخرج أبو عبيد عن عبد الله بن مسعود " سيجيء زمان يسأل فيه بالقرآن، فإذا سألوكم فلا تعطوهم". الحديث: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْمُؤْمِنُ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَعْمَلُ بِهِ كَالْأُتْرُجَّةِ طَعْمُهَا طَيِّبٌ وَرِيحُهَا طَيِّبٌ وَالْمُؤْمِنُ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَعْمَلُ بِهِ كَالتَّمْرَةِ طَعْمُهَا طَيِّبٌ وَلَا رِيحَ لَهَا وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَالرَّيْحَانَةِ رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَالْحَنْظَلَةِ طَعْمُهَا مُرٌّ أَوْ خَبِيثٌ وَرِيحُهَا مُرٌّ الشرح: حديث أبي موسى الذي تقدم مشروحا في " باب فضل القرآن على سائر الكلام " وهو ظاهر فيما ترجم له. ووقع هنا عند الإسماعيلي من طريق معاذ بن معاذ عن شعبة بسنده " قال شعبة وحدثني شبل يعني ابن عزرة أنه سمع أنس بن مالك " بهذا. قلت: وهو حديث آخر أخرجه أبو داود في مثل الجليس الصالح والجليس السوء *3* الشرح: قوله: (باب اقرءوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم) أي اجتمعت. الحديث: حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ عَنْ جُنْدَبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اقْرَءُوا الْقُرْآنَ مَا ائْتَلَفَتْ قُلُوبُكُمْ فَإِذَا اخْتَلَفْتُمْ فَقُومُوا عَنْهُ الشرح: قوله: (فإذا اختلفتم) أي في فهم معانيه (فقوموا عنه) أي تفرقوا لئلا يتمادى بكم الاختلاف إلى الشر، قال عياض: يحتمل أن يكون النهي خاصا يزمنه صلى الله عليه وسلم لئلا يكون ذلك سببا لنزول ما يسوؤهم كما في قوله تعالى الحديث: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ حَدَّثَنَا سَلَّامُ بْنُ أَبِي مُطِيعٍ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ عَنْ جُنْدَبٍ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اقْرَءُوا الْقُرْآنَ مَا ائْتَلَفَتْ عَلَيْهِ قُلُوبُكُمْ فَإِذَا اخْتَلَفْتُمْ فَقُومُوا عَنْهُ تَابَعَهُ الْحَارِثُ بْنُ عُبَيْدٍ وَسَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ وَلَمْ يَرْفَعْهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ وَأَبَانُ وَقَالَ غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ سَمِعْتُ جُنْدَبًا قَوْلَهُ وَقَالَ ابْنُ عَوْنٍ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ عُمَرَ قَوْلَهُ وَجُنْدَبٌ أَصَحُّ وَأَكْثَرُ الشرح: قوله: (تابعه الحارث بن عبيد وسعيد بن زيد عن أبي عمران) أي في رفع الحديث، فأما متابعة الحارث وهو ابن قدامة الإيادي فوصلها الدارمي عن أبي غسان مالك بن إسماعيل عنه، ولفظه مثل رواية حماد بن زيد، وأما متابعة سعيد بن زيد وهو أخو حماد بن زيد فوصلها الحسن بن سفيان في مسنده من طريق أبي هشام المخزومي عنه قال " سمعت أبا عمران قال حدثنا جندب " فذكر الحديث مرفوعا وفي آخره " فإذا اختلفتم فيه فقوموا". قوله: (ولم يرفعه حماد بن سلمة وأبان) يعني ابن سعيد العطار، أما رواية حماد بن سلمة فلم تقع لي موصولة، وأما رواية أبان فوقعت في صحيح مسلم من طريق حبان بن هلال عنه ولفظه " قال لنا جندب ونحن غلمان " فذكره لكن مرفوعا أيضا، فلعله وقع للمصنف من وجه آخر عنه موقوفا. قوله: (وقال غندر عن شعبة عن أبي عمران سمعت جندبا قوله) وصله الإسماعيلي من طريق بندار عن غندر. قوله: (وقال ابن عون عن أبي عمران عن عبد الله بن الصامت عن عمر قوله) ابن عون هو عبد الله البصري الإمام المشهور وهو من أقران أبي عمران، وروايته هذه وصلها أبو عبيد عن معاذ بن معاذ عنه، وأخرجها النسائي من وجه آخر عنه. قوله: (وجندب أصح وأكثر) أي أصح إسنادا وأكثر طوقا، وهو كما قال فإن الجم الغفير رووه عن أبي عمران عن جندب، إلا أنهم اختلفوا عليه في رفعه ووقفه، والذين رفعوه ثقات حفاظ فالحكم لهم. وأما رواية ابن عون فشاذة لم يتابع عليها، قال أبو بكر بن أبي داود: لم يخطئ ابن عون قط إلا في هذا، والصواب عن جندب انتهى. ويحتمل أن يكون ابن عون حفظه ويكون لأبي عمران فيه شيخ آخر وإنما توارد الرواة على طريق جندب لعلوها والتصريح برفعها، وقد أخرج مسلم من وجه آخر عن أبي عمران هذا حديثا آخر في المعنى أخرجه من طريق حماد عن أبي عمران الجوني عن عبد الله بن رباح عن عبد الله بن عمر قال " هاجرت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فسمع رجلين اختلفا في آية فخرج يعرف الغضب في وجهه فقال. إنما هلك من كان قبلكم بالاختلاف في الكتاب " وهذا مما يقوي أن يكون لطريق ابن عون أصل والله أعلم. الحديث: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ النَّزَّالِ بْنِ سَبْرَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا يَقْرَأُ آيَةً سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِلَافَهَا فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ فَانْطَلَقْتُ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ كِلَاكُمَا مُحْسِنٌ فَاقْرَأَا أَكْبَرُ عِلْمِي قَالَ فَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ اخْتَلَفُوا فَأُهْلِكُوا الشرح: قوله: (النزال) بفتح النون وتشديد الزاي وآخره لام (ابن سبرة) بفتح المهملة وسكون الموحدة الهلالي، تابعي كبير، وقد قيل إنه له صحبه، وذهل المزي فجزم في " الأطراف " بأن له صحبة، وجزم في " التهذيب " بأن له رواية عن أبي بكر الصديق مرسلة. قوله: (أنه سمع رجلا يقرأ آية سمع النبي صلى الله عليه وسلم قرأ خلافها) هذا الرجل يحتمل أن يكون هو أبي بن كعب، فقد أخرج الطبري من حديث أبي بن كعب أنه سمع ابن مسعود يقرأ آية قرأ خلافها وفيه " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كلاكما محسن " الحديث، وقد تقدم في " باب أنزل القرآن على سبعة أحرف " بيان عدة ألفاظ لهذا الحديث. قوله: (فاقرا) بصيغة الأمر للاثنين. قوله: (أكبر علمي) هذا الشك من شعبة، وقد أخرجه أبو عبيد عن حجاج بن محمد عن شعبة قال " أكبر علمي أني سمعته وحدثني عنه مسعود " فذكره. قوله: (فإن من كان قبلكم اختلفوا فأهلكهم) في رواية المستملي " فأهلكوا " بضم أوله، وعند ابن حبان والحاكم من طريق زر بن حبيش عن ابن مسعود في هذه القصة " فإنما أهلك من كان قبلكم الاختلاف " وقد تقدم القول في معنى الاختلاف في حديث جندب الذي قبله. وفي رواية زر المذكورة من الفائدة أن السورة التي اختلف فيها أبي وابن مسعود كانت من آل حم، وفي " المبهمات " للخطيب أنها الأحقاف، ووقع عند عبد الله بن أحمد في زيادات المسند في هذا الحديث أن اختلافهم كان في عددها هل هي خمس وثلاثون آية أو ست وثلاثون الحديث، وفي هذا الحديث والذي قبله الحض على الجماعة والألفة والتحذير من الفرقة والاختلاف والنهي عن المراء في القرآن بغير حق، ومن شر ذلك أن تظهر دلالة الآية على شيء يخالف الرأي فيتوسل بالنظر وتدقيقه إلى تأويلها وحملها على ذلك الرأي ويقع اللجاج في ذلك والمناضلة عليه (خاتمة) اشتمل كتاب فضائل القرآن من الأحاديث المرفوعة على تسعة وتسعين حديثا، المعلق منها وما التحق به من المتابعات تسعة عشر حديثا والباقي موصولة، المكرر منها فيه وفيما مضى ثلاثة وسبعون حديثا والباقي خالص، وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث أنس فيمن جمـع القرآن، وحديث قتادة بن النعمان في فضل قل هو الله أحد، وحديث أبي سعيد في ذلك، وحديثه أيضا " أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن " وحديث عائشة في قراءة المعوذات عند النوم، وحديث ابن عباس في قراءته المفصل، وحديثه " لم يترك إلا ما بين الدفتين " وحديث أبي هريرة " لا حسد إلا في اثنتين " وحديث عثمان " إن خيركم من تعلم القرآن " وحديث أنس " كانت قراءته مدا " وحديث عبد الله بن مسعود " أنه سمع رجلا يقرأ آية". وفيه من الآثار عن الصحابة فمن بعدهم سبعة آثار. والله أعلم.
|