الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: روضة الطالبين وعمدة المفتين **
ثم يسأل المدعي أن يشهد على أنه أقر عنده أو نكل وحلف المدعي لزمه إجابته ولو أقام بينة بما ادعاه وسأل القاضي الأشهاد عليه لزمه أيضاً في الأصح ولو حلف المدعى عليه وإن سأله الأشهاد ليكون حجة له فلا يطالبه مرة أخرى لزمه إجابته وسأله أحد المتداعيين أن يكتب له محضراً بما جرى ليحتج به إذا احتاج نظر إن لم يكن عنده قرطاس من بيت المال ولم يأت به الطالب لم يلزمه إجابته وإن كان فهل يجب أم يستحب وجهان أصحهما الاستحباب لأن الحق يثبت بالشهود لا بالكتاب وإن طلب أن يحكم له بما ثبت لزمه الحكم فيقول حكمت له به أو أنفذت الحكم به أو ألزمت خصمه الحق وإذا حكم فطلب الأشهاد على حكمه لزمه الأشهاد وإن طلب أن يكتب له به سجلا فعلى التفصيل والخلاف المذكور في كتابة المحضر ونقل ابن كج وجهاً ثالثاً أنه يجب التسجيل في الدين المؤجل الوقوف وأموال المصالح فلا يجب في الحال والحقوق الخاصة وسواء أوجبنا الكتابة أم استحببناها فيحتاج إلى بيان المكتوب وأنه كيف يضبط ويحفظ أما الأول فالمكتوب محضر وسجل أما المحضر فصورته بسم الله الرحمن الرحيم حضر القاضي فلان ابن فلان وأحضر معه فلان ابن فلان ويرفع في نسبهما ما يفيد التمييز وهذا إذا عرفهما القاضي ويستحب مع ذلك التعرض لحليتهما طولا وقصراً في القد وسمرة وشقرة في الوجه ويصف منهما الحاجب والعين والفم والأنف وإن لم يعرفهما كتب حضر رجل ذكر أنه فلان ابن فلان وأحضر معه رجلا ذكر هذا المحضر أنه فلان ابن فلان ابن فلان ولا بد والحالة هذه من التعرض لحليتهما ثم يكتب وادعى عليه كذا من عين أو دين بصفتهما فأقر المدعى عليه بما ادعى فإن أنكر وأقام المدعي بينة كتب فأحضر المدعي فلاناً وفلاناً شاهدين وسأل القاضي استماع شهادتهما فسمعها في مجلس حكمه وثبت عنده عدالتهما وسأله أن يكتب محضراً بما جرى فأجابه إليه وذلك في تاريخ كذا ويثبت على رأس المحضر علامته من الحمدلة وغيرها ويجوز أن يبهم الشاهدين فيكتب وأحضر عدلين شهدا له بما ادعاه ولو كان مع المدعي كتاب فيه خط الشاهدين كتب تحت خطهما شهد عندي بذلك وأثبت علامته في رأس الكتاب واكتفى به عن المحضر جاز وإن كتب المحضر وضمنه ذلك الكتاب جاز وعلى هذا قياس محضر يذكر تحليف المدعى عليه أو المدعي بعد نكول المدعى عليه. وأما السجل فصورته بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أشهد عليه فلان القاضي بموضع كذا في تاريخ كذا أنه ثبت عنده كذا فأقر فلان لفلان أو بشهادة فلان وفلان وقد ثبتت عدالتهما عنده أو بيمينه بعد نكول المدعى عليه وأنه حكم بذلك لفلان على فلان وأنفذه بسؤال المحكوم له ويجوز أن يكتب ثبت عنده ما في كتاب هذه نسخته وينسخ الكتاب إلى آخره ثم يكتب وإنه حكم بذلك وكيفية التعرض لنسب المتداعيين وحليتهما على ما ذكرنا في المحضر وفي تعليق الشيخ أبي حامد أن ابن خيران لم يجوز للقاضي التسجيل إذا لم يعرف المتداعيين والصحيح الأول وإذا كان المتداعيان أو أحدهما امرأة واحتاج إلى إثبات الحلية فليكن النظر لذلك كالتحمل للشهادة وأما أنه كيف يضبط ويحفظ فينبغي للقاضي أن يجعل المحاضر والسجلات نسختين يدفع إلى صاحب الحق إحداهما غير مختومة وتحفظ الأخرى في ديوان القضاء مختومة ويكتب على رأسها اسم الخصمين ويضعها في خريطة أو قمطر وهو السفط الذي يجمع فيه المحاضر والسجلات ويكون بين يديه إلى آخر المجلس فإذا أراد أن يقوم ختمه بنفسه أو ختمه أمين وهو ينظر ثم أمر بحمله إلى موضعه ثم يدعو به في اليوم الثاني وينظر في الختم ويفكه بنفسه أو يفكه أمينه وهو ينظر ويضع فيه كتب اليوم الثاني كما ذكرنا وهكذا يفعل حتى يمضي الأسبوع فإن كثرت جعلها إضبارة وكتب عليها خصومات أسبوع كذا من شهر كذا من سنة كذا وسجلاته ويعزلها وإن لم يكتب تركها حتى يمضي شهر ثم بعزلها فإذا مضت سنة جمعها وكتب عليها كتب سنة كذا ليسهل الوقوف عليها عند الحاجة ويجعلها في موضع لا يعلمه غيره وإذا احتاج إلى شيء منها تولى أخذه بنفسه ونظر أولا إلى ختمه وعلاماته. فرع قال الهروي إن أوجبنا التسجيل على القاضي لم يجز له أخذ الأجرة عليه وإلا فيجوز وأطلق بعضهم القول بالجواز وهو موافق لمنع الوجوب وهو الأصح وكذا استئجار المفتي ليكتب الفتوى. الأدب السادس يستحب للقاضي المشاورة وإنما يشاور العلماء الأمناء ويستحب أن يجمع أصحاب المذاهب المختلفة ليذكر كل واحد دليله فيتأملها القاضي ويأخذ بأرجحها عنده ثم الذين يشاورهم إن شاء أقعدهم عنده وإن شاء أقعدهم ناحية فإذا احتاج استدعاهم. ثم المشاورة تكون عند اختلاف وجوه النظر وتعارض الآراء فأما الحكم المعلوم بنص أو إجماع أو قياس جلي فلا مشاورة فيه وإذا حضر المستشارون فإنما يذكرون ما عندهم إذا سألهم ولا يبتدئون بالاعتراض والرد على حكمه إلا إذا كان حكماً يجب نقضه كما سيأتي إن شاء الله تعالى وذكر الغزالي أنهم يحضرون قبل خروجه وهذا وإن كان لم يتعرض له الجمهور يوجه بأنهم بانتظاره أولى كما في الصلاة. الأدب السابع يكره للقاضي أن يتولى البيع والشراء بنفسه بل يوكل من لا يعرفه الناس فإن عرفوه بوكالته أبدله فإن لم يجد من يوكله عقد بنفسه للضرورة فإن وقعت خصومة لمعاملة أناب من يحكم بينه وبين خصمه خوفاً من أن يميل إليه ولا يختص هذا الحكم بالبيع والشراء بل يعم الإجارة وسائر المعاملات بل نص في الأم أنه لا ينظر في نفقة عياله ولا أمر ضيعته ويكل إلى غيره لينفر قلبه.
ثم إن كان له رزق في بيت المال لم يجز أخذ عوض من الخصوم فإن لم يكن فقال الشيخ أبو حامد لو قال للخصمين لا أقضي بينكما حتى تجعلا لي رزقاً جاز ومثله عن القاضي أبي الطيب وغيره وهذا نحو ما نقل الهروي أن القاضي إذا لم يكن له رزق من بيت المال وهو محتاج ولم يتعين عليه القضاء فله أن يأخذ من الخصم أجرة مثل عمله وإن تعين قال أصحابنا لا يجوز الأخذ وجوزه صاحب التقريب وأما باذل الرشوة فإن بذلها ليحكم له بغير الحق أو بترك الحكم بحق حرم عليه البذل وإن كان ليصل إلى حقه فلا يحرم كفداء الأسير. قلت وأما المتوسط بين المرتشي والراشي فله حكم موكله منهما فإن وكلا حرم عليه لأنه وكيل للآخذ وهو محرم عليه والله أعلم. وأما الهدية فالأولى أن يسد بابها ولا يقبلها ثم إن كان للمهدي خصومة في الحال حرم قبول هديته في محل ولايته وهديته في غير محل ولايته كهدية من عادته أن يهدى له قبل الولاية لقرابة أو صداقة ولا يحرم قبولها على الصحيح وحكى ابن الصباغ في تحريمها وجهاً وهو مقتضى إطلاق الماوردي وإن لم يكن له عادة بالهدية قبل الولاية فإن زاد المهدي على القدر المعهود صارت هديته كهدية من لم يعهد منه الهدية وحيث حكمنا بأن القبول ليس بحرام فله الأخذ والتملك والأولى أن يثبت عليها أو يضعها في بيت المال وحيث قلنا بالتحريم فقبلها لم يملكها على الأصح فعلى هذا لو أخذها قيل يضعها في بيت المال والصحيح أنه يردها على مالكها فإن لم يعرفه جعلها في بيت المال. قد ذكرنا أن الرشوة حرام مطلقاً والهدية جائزة في بعض الأحوال فيطلب الفرق بين حقيقتيهما مع أن الباذل راض فيهما والفرق من وجهين أحدهما ذكره ابن كج أن الرشوة هي التي يشرط على قابلها الحكم بغير الحق أو الامتناع عن الحكم بحق والهدية هي العطية المطلقة والثاني قال الغزالي في الإحياء المال إما يبذل لغرض آجل فهو قربة وصدقة وإما لعاجل وهو إما مال فهو هبة بشرط ثواب أو لتوقع ثواب وإما عمل فإن كان عملا محرماً أو واجباً متعيناً فهو رشوة وإن كان مباحاً فإجارة أو جعالة وإما للتقرب والتودد إلى المبذول له فإن كان بمجرد نفسه فهدية وإن كان ليتوسل بجاهه إلى أغراض ومقاصد فإن كان جاهه بالعلم أو النسب فهو هدية وإن كان بالقضاء والعمل فهو رشوة. الأدب الثامن في تأديبه المسيئين عمن أساء الأدب في مجلسه من الخصوم بأن صرح بتكذيب الشهود أو ظهر منه مع خصمه لدد أو مجاوزة حد زجره ونهاه فإن عاد هدده وصاح عليه فإن لم ينزجر عزره بما يقتضيه اجتهاده من توبيخ وإغلاظ القول أو ضرب وحبس ولا يحبسه بمجرد ظهور اللدد وعن الاصطخري أنه على قولين وفي يتيمة اليتيمة أنه إنما يضربه بالدرة دون السياط إذ الضرب بالسياط من شأنه الحدود وهذا الذي ادعاه غير مقبول بل الضرب بالسياط جائز في غير الحدود ألا ترى أن لفظ الشافعي رحمه الله في تعزير القاضي شاهد الزور حيث قال عزره ولم يبلغ بالتعزير أربعين سوطاً ومثال اللدد أن تتوجه اليمين على الخصم فيطلب يمينه ثم يقطعها عليه ويزعم أن له بينة ثم يحضره ثانياً وثالثاً ويفعل كذلك وكذا لو أحضر رجلا وادعى عليه وقال لي بينة وسأحضرها ثم فعل ذلك ثانياً وثالثاً إيذاء وتعنتاً ولو اجترأ خصم على القاضي وقال أنت تجور أو تميل أو ظالم جاز أن يعزره وأن يعفو والعفو أولى إن لم يحمل على ضعفه والتعزير أولى إن حمل عليه. فرع شهادة الزور من أكبر الكبائر ومن ثبت أنه شهد بزور عزره القاضي بما يراه من توبيخ وضرب وحبس وشهر حاله وأمر بالنداء عليه في سوقه إن كان من أهل السوق أو قبيلته إن كانت له قبيلة أو مسجده تحذيراً للناس منه وتأكيداً لأمره وإنما تثبت شهادة الزور بإقرار الشاهد إن تيقن القاضي بأن شهد أن فلاناً زنى بالكوفة يوم كذا وقد رآه القاضي ذلك اليوم ببغداد هكذا أطلقه الشافعي والأصحاب رحمهم الله تعالى ولم يخرجوه على أن القاضي هل يحكم بعلمه ولا يكفي قيام البينة بأنه شاهد زور فقد تكون هذه بينة زور. الأدب التاسع لا ينفذ قضاء القاضي لنفسه ولا لمملوكه القن وغيره القن ولا لشريكه فيما له فيه شرك ولا لشريك مكاتبه فيما له فيه شرك ولا يقضي لأحد من أصوله وإن علوا ولا فروعه وإن نزلوا ولا لمملوك أحدهم ولا لشريكه فإن فعل لم ينفذ على الصحيح ولو أراد أن يقضي لهم بعلمه لم ينفذ قطعاً وإن جوزنا قضاءه بعلمه للأجانب ويجوز أن يقضي على أصوله وفروعه كما يشهد عليهم وفصل البغوي الحكم للولد وعليه فقال له أن يحلف ابنه على نفي ما يدعى عليه لأنه قطع للخصومة لا حكم له وله أن يسمع بينة المدعي على ابنه ولا يسمع بينة الدفع من ابنه وهل له أن يحكم بشهادة ابنه وجهان لأنه يتضمن تعديله فإن عدله شاهدان فالمتجه أنه يقضي ولو تحاكم إليه أبوه وابنه هل له الحكم لأحدهما وجهان في المهذب أصحهما لا وبه قطع البغوي ومتى وقعت له خصومة أو لأحد هؤلاء الذين يمنع حكمه لهم قضى فيها الإمام أو قاضي بلدة أخرى أو نائبه وفي النائب وجه ضعيف. قلت قال البغوي وللقاضي أن يستخلف أباه أو ابنه لأنهما كنفسه قال ولو جعل الإمام إلى رجل أن يختار قاضياً لم يجز أن يختار والده ولا ولده كما لا يختار نفسه وسيأتي قريبا في مسائل التزكية أنه لا يصح تزكية ولد ولا والد على الصحيح والله أعلم. فرع لا يقضي على عدوه على الصحيح وبه قطع الجمهور كالشهادة عليه وجوزه الماوردي في كتابه الأحكام السلطانية لأن أسباب الحكم ظاهرة بخلاف الشهادة. فرع تولى وصي اليتيم القضاء هل له أن يسمع البينة ويحكم له وجهان أصحهما نعم وبه قال القفال ومنعه ابن الحداد. الأدب العاشر فيما ينقض من قضائه وقضاء غيره وذلك يتعلق بقواعد إحداها الأصول التي يقضي بها القاضي ويفتي بها المفتي كتاب الله تعالى وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والإجماع والقياس وقد يقتصر على الكتاب والسنة ويقال الإجماع يصدر عن أحدهما والقياس يرد إلى إحداهما وأما قول الواحد من الصحابة رضي الله عنهم فإن لم ينتشر فيهم فقولان القديم أنه حجة والجديد ليس بحجة ثم قال أبو بكر الصيرفي والقفال القولان إذا لم يكن معه قياس فإن كان معه قياس ولو ضعيف احتج به قطعاً ورجح على القياس القوي وقال الأكثرون في الجميع القولان فإن قلنا بالقديم وجب الأخذ به وترك القياس وفي تخصيص العموم به وجهان وإن قلنا بالجديد فهو كقول آحاد المجتهدين لكن لو تعارض قياسان أحدهما وافق قول صحابي قال الغزالي قد قلت قد صرح الشيخ أبو إسحاق في اللمع وغيره من الأصحاب بالجزم بالأخذ بالموافق والله أعلم. وإن انتشر قول الصحابي فله ثلاثة أحوال أحدها أن يخالفه غيره فعلى الجديد هو كاختلاف سائر المجتهدين وعلى القديم هما حجتان تعارضتا فإن اختص أحد الطرفين بكثرة عدد أو بموافقة أحد الخلفاء الأربعة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم ترجح نص عليه في القديم في غير علي وألحق الجمهور بهم علياً ومنهم من لم يلحقه لأن الثلاثة كانوا في دار الهجرة والصحابة متوافرون وكانوا في حكمهم وفتواهم يتشاورون وعلي رضي الله عنه انتقل إلى الكوفة وتفرقت الصحابة. وإن لم يوجد واحد من الأمرين في واحد من الصرفين أو وجد في أحدهما أحدهما وفي الآخر الآخر فهما سواء ولو كان في أحدهما أبو بكر أو عمر وفي الآخر عثمان أو علي رضي الله عنهم فهل يستويان أم يرجح طرف الشيخين وجهان ويشبه أن يجيء مثلهما في تعارض الشيخين فيستويان في وجه ويقدم طرف أبي بكر رضي الله عنه في وجه. الحال الثاني أن يوافقه سائر الصحابة رضي الله عنهم ويقولوا بما قاله فهذا إجماع منهم على الحكم ولا يشترط فيه انقراض عصر المجمعين على الأصح ولا يتمكن أحدهم من الرجوع بل يكون الحال الثالث أن يسكتوا فلا يصرحوا بموافقته ولا مخالفته فاختار الغزالي في المستصفى أنه ليس بحجة والصحيح الذي عليه جماهير الأصحاب أنه حجة لأنهم لو خالفوه لاعترضوا عليه لكن هل هو إجماع أم حجة غير إجماع وجهان قال الروياني هذا إذا لم يظهر إمارات الرضى ممن سكت فإن ظهرت فإجماع بلا خلاف قالوا والأصح هنا اشتراط انقراض العصر في كونه حجة أو إجماعاً وهل يفرق في كونه حجة وإجماعاً بين أن يكون ذلك القول مجرد فتوى أو حكماً من إمام أو قاض فيه طرق قال ابن أبي هريرة فإن كان فتوى فحجة وإن كان حكماً فلا لأن الاعتراض على الإمام ليس من الأدب ولعل السكوت لذلك وقال أبو إسحاق عكسه لأن الحكم يصدر عن مشاورة ومراجعة وقال الأكثرون لا فرق وكانوا يعترضون على الإمام كغيره فقد خالفوا أبا بكر رضي الله عنه في الحد وعمر رضي الله عنه في المشركة ومختصر هذا الاختلاف أوجه الصحيح أنه حجة والثاني حجة وإجماع والثالث ليس بحجة والرابع من المفتي حجة ومن الحاكم لا الخامس عكسه هذا إذا نقل السكوت أما إذا لم ينقل قول ولا سكوت فيجوز أن لا يلحق بهذا ويجوز أن يستدل به على السكوت. قلت المختار أن عدم النقل كنقل السكوت لأنه الأصل والظاهر والله أعلم. القاعدة الثانية اختلفت عبارات الأصحاب في تفسير القياس والأقرب إلى كلام الشافعي رحمه الله أن القياس نوعان جلي وغيره وأما الجلي فهو الذي يعرف به موافقة الفرع للأصل بحيث ينتفي احتمال مفارقتهما أو يبعد وذلك كظهور التحاق الضرب بالتأفيف في قوله تعالى " فلا تقل لهما أف " وما فوق الذرة بالذرة في قوله تعالى " فمن يعمل مثقال ذرة " الآية وما فوق النقير بالنقير في قوله تعالى " ولا يظلمون نقيراً " ونظائره فإن فروع هذه الأحكام أولى من الأصول وبعض الأصحاب لا يسمي هذا قياساً ويقول هذه الإلحاقات مفهومة من النص ويقرب من هذا إلحاق العمياء بالعوراء في حديث النهي عن التضحية بالعوراء وسائر الميتات بالفأرة وغير السمن بالسمن في حديث " الفأرة تقع بالسمن إن كان مائعاً فأريقوه وإن كان جامداً فألقوها وما حولها والغائط بالبول " في قوله صلى الله عليه وسلم " لا يبولن أحدكم في الماء الدائم " ومن الجلي ما ورد النص فيه على العلة كحديث " إنما نهيتكم من أجل الدافة " وكذا قوله تعالى " وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض " وأما غير الجلي فما لا يزيل احتمال المفارقة ولا يبعده كل البعد فمنه ما العلة فيه مستنبطة كقياس الأرز على البر بعلة الطعم وقال ابن القاص هو من الجلي والصحيح الأول ومنه قياس الشبه وهو أن يشبه الحادثة أصلين إما في الأوصاف بأن يشارك كل واحد من الأصلين في بعض المعاني والأوصاف الموجودة فيه وإما في الأحكام كالعبد يشارك الحر في بعض الأحكام والمال في بعضها فيلحق بما المشاركة فيه أكثر وربما سمي قياس الشبه خفياً والذي قبله غير الجلي واضحاً وربما خص الجلي ببعض الأول وهو ما كان الفرع فيه أولى بحكم الأصل. قلت واختلف أصحابنا في صحة قياس الشبه وأنه هل هو حجة والله أعلم. القاعدة الثالثة المسائل الفروعية الاجتهادية إذا اختلف المجتهدون فيها طريقان أشهرهما قولان أظهرهما المحق فيها واحد والمجتهد مأمور بإصابته والذاهب إلى غيره مخطئ والثاني أن كل مجتهد مصيب والطريق الثاني القطع بالقول الأول وبه قال أبو إسحاق والقاضي أبو الطيب فإن قلنا المصيب واحد فالمخطئ مغدور غير آثم بل مأجور لقوله صلى الله عليه وسلم " إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر " وقال الشيخ أبو إسحاق في اللمع قال ابن أبي هريرة يأثم والصواب الأول وفيما يؤجر عليه وجهان عن أبي إسحاق أحدهما وهو ظاهر النص واختيار المزني يؤجر على قصده الصواب ولا يؤجر على الاجتهاد لأنه أفضى به إلى الخطأ وكأنه لم يسلك الطريق المأمور به والثاني يؤجر عليه وعلى الاجتهاد جميعاً وإذا قلنا كل مجتهد مصيب فهل نقول الحكم والحق في حق كل واحد من المجتهدين ما ظنه أم الحق واحد وهو أشبه مطلوب إلا أن كلا منهم مكلف بما ظنه لا بإصابة الأشبه وجهان اختار الغزالي الأول وبالثاني قطع أصحابنا العراقيون وحكوه عن القاضي أبي حامد والداركي. متى حكم القاضي بالاجتهاد ثم بان له الخطأ في حكمه فله حالان أحدهما إن تبين أنه خالف قطعياً كنص كتاب أو سنة متواترة أو إجماع أو ظناً محكماً بخبر الواحد أو بالقياس الجلي فيلزمه نقض حكمه وهل يلزم القاضي تعريف الخصمين صورة الحال ليترافعا إليه فينقض الحكم وجهان قال ابن سريج لا يلزمه إن علما أنه بان له الخطأ فإن ترافعا إليه نقض وقال سائر الأصحاب يلزمه وإن علما أنه بان له الخطأ وهذا هو الصحيح لأنهما قد يتوهمان أنه لا ينقض وإن بان الخطأ هذا في حقوق الآدميين وأما ما يتعلق بحدود الله تعالى فيبادر إلى تداركه إذا بان له الخطأ وما لا يمكن تداركه سبق حكم ضمانه. الحال الثاني إن تبين له بقياس خفي رآه أرجح مما حكم به وأنه الصواب فليحكم فيما يحدث بعد ذلك من أخوات الحادثة بما رآه ثانياً ولا ينقض ما حكم به أولا بل يمضيه ثم ما نقض به قضاء نفسه نقض به قضاء غيره وما لا فلا ولا فرق بينهما إلا أنه لا يتبع قضاء غيره وإنما ينقضه إذا رفع إليه وله تتبع قضاء نفسه لينقضه ولو كان المنصوب للقضاء قبله لا يصلح للقضاء نقض أحكامه كلها وإن أصاب فيها لأنها صدرت ممن لا ينفذ حكمه هذا هو القول الجلي فيما ينقض ولا ينقض ثم تكلموا في صور منها لو قضى قاض بصحة نكاح المفقود زوجها بعد مضي أربع سنين ومدة العدة فوجهان أشهرهما وظاهر النص نقضه لمخالفة القياس الجلي لأنه يجعل حياً في المال فلا يقسم بين ورثته فلا يجعل ميتا في النكاح والثاني لا ينقض كغيره من الاجتهاديات قال الروياني هذا هو الصحيح وقرب من هذا الخلاف الخلاف في نقض حكم من قضى بحصول الفرقة في اللعان بأكثر الكلمات الخمس أو بسقوط الحد عمن نكح أمه ووطئها ومنها حكم الحنفي ببطلان خيار المجلس والعرايا بالتقييد الذي يجوزه وفي ذكاة الجنين ومنع القصاص في القتل بالمثقل وصحة النكاح بلا ولي أو بشهادة فاسقين أو حكم غيره بصحة بيع أم الولد وثبوت حرمة الرضاع بعد حولين وصحة نكاح الشغار والمتعة وقتل المسلم بالذمي وبأنه لا قصاص بين الرجل والمرأة في الأطراف وجريان التوارث بين المسلم والكافر ورد الزوائد مع الأصل في الرد بالعيب على ما قاله ابن أبي ليلى وفي نقض هذه الأحكام وجهان قال الروياني الأصح لا نقض لأنها اجتهادية والأدلة متقاربة ومن نقض قال فيها نصوص وأقيسة جلية وينقض قضاء من حكم بالاستحسان الفاسد. فرع ما ينقض من الأحكام لو كتب به إليه لا يخفى أنه لا يقبله ولا ينفذه وأما ما لا ينقض ويرى غيره أصوب منه فنقل ابن كج عن الشافعي رضي الله عنه أنه يعرض عنه ولا ينفذه لأنه إعانة على ما يعتقده خطأ وقال ابن القاص لا أحب تنفيذه وفي هذا إشعار بتجويز التنفيذ وقد صرح السرخسي بنقل الخلاف فقال إذا رفع إليه حكم قاض قبله فلم ير فيه ما يقتضي النقض لكن أدى اجتهاده إلى غيره فوجهان أحدهما يعرض عنه وأصحهما ينفذه وعلى هذا العمل كما لو حكم بنفسه ثم تغير اجتهاده تغيراً لا يقتضي النقض وترافع خصماء الحادثة إليه فيها فإنه يمضي حكمه الأول وإن أدى اجتهاده إلى أن غيره أصوب منه. فرع إذا استقضي مقلد للضرورة فحكم بمذهب غير مقلده قال الغزالي في الأصول إن قلنا لا يجوز للمقلد تقليد من شاء بل عليه اتباع مقلده نقض حكمه وإن قلنا له تقليد من شاء لم ينقض. فصل حكم القاضي ضربان أحدهما مما ليس بإنشاء وإنما هو تنفيذ لما قامت به حجة فينفذ ظاهراً لا باطناً فلو حكم بشهادة زور بظاهري العدالة لم يحصل بحكمه الحل باطناً سواء كان المحكوم به مالا أو نكاحاً أو غيرهما فإن كان نكاحاً لم يحل للمحكوم له الاستمتاع ويلزمها الهرب والامتناع ما أمكنها. فإن أكرهت فلا إثم عليها فإن وطئ قال الشيخ أبو حامد هو زان ويحد وخالفه ابن الصباغ والروياني لأن أبا حنيفة رحمه الله يجعلها منكوحة بالحكم وذلك شبهة للخلاف في الإباحة وإن كان المحكوم به الطلاق حل للمحكوم عليه وطؤها إن تمكن لكن يكره لأنه يعرض نفسه للتهمة والحد ويبقى التوارث بينهما ولا تبقى النفقة للحيلولة ولو تزوجت لآخر فالحل مستمر للأول فإن وطئها الثاني جاهلا بالحال فهو وطء شبهة ويحرم على الأول في العدة وإن كان الثاني عالماً أو نكحها أحد الشاهدين ووطئ فوجهان أحدهما يحد ولا يحرم على الأول في العدة والأشبه أنه وطء شبهة لما سبق. الضرب الثاني الإنشاءات كالتفريق بين المتلاعنين وفسخ النكاح بالعيب والتسليط على الأخذ بالشفعة ونحو ذلك فإن ترتبت على أصل كاذب بأن فسخ بعيب قامت بشهادة زور فهو كالضرب الأول وإن ترتبت على أصل صادق فإن لم تكن في محل اختلاف المجتهدين نفذ ظاهراً وباطناً وإن كان مختلفاً فيه نفذ ظاهراً وفي الباطن أوجه أصحها عند جماعة منهم البغوي والشيخ أبو عاصم النفوذ مطلقاً لتتفق الكلمة ويتم الانتفاع والثاني المنع وبه قال الأستاذ أبو إسحاق واختاره الغزالي والثالث إن اعتقده الخصم أيضاً نفذ باطناً وإلا فلا هذه الأوجه تشبه الأوجه في اقتداء الشافعي بالحنفي وعكسه فإن منعنا النفوذ باطناً مطلقاً أو في حق من لا يعتقده لم يحل للشافعي الأخذ بحكم الحنفي بشفعة أو بالتوريث بالرحم إذا لم نقل به نحن وعلى هذا هل يمنعه القاضي لاعتقاد المحكوم له أم لا لاعتقاد نفسه وجهان أصحهما الثاني ومن قال فرع هل تقبل شهادته بما لا يعتقده كشافعي بشفعة الجوار وجهان في التهذيب. قلت الأصح القبول والله أعلم. فرع قال للقاضي رجلان كانت بيننا خصومة في كذا فحكم القاضي فلان بيننا بكذا ونحن نريد أن تستأنف الحكم بيننا باجتهادك ونرضى يحكمك فهل يجيبهما أم يتعين إمضاء الحكم الأول ولا ينقض الاجتهاد بالاجتهاد وجهان حكاهما ابن كج الصحيح الثاني.
يستحب أن يدعو أصدقاءه الأمناء ويلتمس منهم أن يطلعوه على عيوبه ليسعى في إزالتها ويستحب أن يكون راكباً في مسيره إلى مجلس حكمه وأن يسلم على الناس في طريقه وعلى القوم إذا دخل وأن يدعو إذا جلس ويسأل الله تعالى التوفيق والتسديد وأن يقوم على رأسه أمين ينادي هل من خصم ويرتب الناس ويقدم الأول فالأول قال ابن المنذر يستحب أن يكون حصيناً لمكان النساء ويجوز أن يعين للقضاء يوماً أو يومين على حسب حاجة الناس ودعاويهم وأن يعين وقتاً من النهار فإن حضر خصمان في غير الوقت المعين سمع كلامهما إلا أن يكون في صلاة أو حمام أو على طعام ونحوه فيؤخره قدر ما يفرغ ويستحب أن يكون للقاضي درة يؤدب بها إذا احتاج ويتخذ سجناً للحاجة إليه في التعزير واستيفاء الحق من المماطل. وهذه فروع تتعلق بالحبس قال ابن القاص إذا استشعر القاضي من المحبوس الفرار من الحبس فله نقله إلى حبس الجرائم ولو دعا المحبوس زوجته أو أمته إلى فراشه فيه لم يمنع إن كان في الحبس موضع خال فإن امتنعت أجبرت الأمة ولا تجبر الزوجة الحرة لأنه لا يصلح للسكنى والزوجة الأمة تجبر إن رضي سيدها ولو قال مستحق الدين أنا ألازمه بدلا عن الحبس مكن لأنه أخف إلا أن يقول الغريم تشق علي الطهارة والصلاة بسبب ملازمته فاحبسني فيحبس وسبق الخلاف في أن الأب هل يحبس بدين ولده وقياس حبسه أن يحبس المريض والمخدرة وابن السبيل منعاً لهم من الظلم وعن أبي عاصم العبادي أنهم لا يحبسون بل يوكل بهم ليترددوا ويتمحلوا قال ولا يحبس أبو الطفل ولا الوكيل والقيم في دين لم يجب بمعاملتهم ولا يحبس الصبي ولا المجنون ولا المكاتب بالنجوم ولا العبد الجاني ولا سيده ليؤدي أو يبيع بل يباع عليه إذا وجد راغب وامتنع من البيع والفداء ونقل الهروي وجهين في حبس كل غريم قدرنا على ماله وتمكنا من بيعه وأجرة السجان على المحبوس وأجرة الوكيل على من وكل به إذا لم يكن في بيت المال مال وصرف إلى جهة أهم من هذه. الطرف الثاني في مستند قضائه وفيه مسائل إحداها يقضي بالحجة بلا شك فلو لم يكن حجة وعلم صدق المدعي فهل يقضي بعلمه طريقان أحدهما نعم قطعاً وأشهرهما قولان أظهرهما عند الجمهور نعم لأنه يقضي بشهادة شاهدين وهو يفيد ظناً فالقضاء بالعلم أولى والجواب عما احتج به المانع من التهمة أن القاضي لو قال ثبت عندي وصح لدي كذا لزمه قبوله بلا خلاف ولم يبحث عما ثبت به وصح والتهمة قائمة وسواء على القولين ما علمه في زمن ولايته ومكانها وما علمه في غيرهما فإن قلنا لا يقضي بعلمه فذلك إذا كان مستنده مجرد العلم أما إذا شهد رجلان تعرف عدالتهما فله أن يقضي ويغنيه علمه بها عن تزكيتهما وفيه وجه ضعيف للتهمة ولو أقر بالمدعى في مجلس قضائه قضى وذلك قضاء بإقرار لا بعلمه وإن أقر عنده سراً فعلى القولين وقيل يقضي قطعاً ولو شهد عنده واحد فهل يغنيه علمه عن الشاهد الآخر على قول المنع وجهان أصحهما لا وإذا قلنا يقضي بعلمه فذلك في المال قطعاً وكذا في القصاص وحد القذف على الأظهر ولا يجوز في حدود الله تعالى على المذهب وقيل قولان ولا يقضي بخلاف علمه بلا خلاف بل إذا علم أن المدعي أبرأه عما ادعاه وأقام به بينة أو أن المدعي قبله حي أو رآه قبله غير المدعى عليه أو سمع مدعي الرق بعتقه ومدعي النكاح يطلقها ثلاثاً وتحقق كذب الشهود امتنع من القضاء قطعاً وكذا إذا علم فسق الشهود ثم إن الأصحاب مثلوا القضاء بالعلم الذي هو محل القولين بما ادعى عليه مالا وقد رآه القاضي أقرضه ذلك أو سمع المدعى عليه أقر بذلك ومعلوم أن رؤية الإقراض وسماع الإقرار لا يفيد اليقين بثبوت المحكوم به وقت القضاء فيدل أنهم أرادوا بالعلم الظن المؤكد لا اليقين. الثانية إذا رأى القاضي ورقة فيها ذكر حكمه لرجل وطلب منه إمضاءه والعمل به نظر إن تذكره أمضاه على المذهب وبه قطع الجمهور وفي أمالي أبي الفرج الزاز إنه على القولين في القضاء بعلمه وإن لم يتذكره لم يعتمده قطعاً لإمكان التزوير وكذا الشاهد لا يشهد بمضمون خطه إذا لم يتذكر فلو كان الكتاب محفوظاً عنده وبعد احتمال التزوير والتحريف كالمحضر والسجل الذي يحتاط فيه القاضي على ما سبق فالصحيح والمنصوص والذي عليه الجمهور أنه لا يقضي به أيضاً ما لم يتذكر لاحتمال التحريف وكذا الشاهد في مثل هذه الحالة لا يشهد وفيهما وجه حكاه الشيخ أبو محمد وغيره أنه يجوز إذا لم يتداخله ريبة وفي جواز رواية الحديث اعتماداً على الخط المحفوظ عنده وجهان أحدهما المنع ولا تكفيه رواية السماع بخطه أو خط ثقة والصحيح الجواز لعمل العلماء به سلفاً وخلفاً وباب الرواية على التوسعة ولو كتب إليه شيخ بالإجازة وعرف خطه جاز له أن يروي عنه تفريعاً على اعتماد الخط فيقول أخبرني فلان كتابة أو في كتابة أو كتب إلي وهذا على تجويز الرواية بالإجازة وهو الصحيح ومنعها القاضي حسين. قلت وقد منعها أيضاً الماوردي في الحاوي ونقل هو منعها عن الفقهاء وهو أحد قولي الشافعي رحمه الله ولكن أظهر قوليه والمشهور من مذاهب السلف والخلف والذي عليه العمل صحة الإجازة وجواز الرواية بها ووجوب العمل بها ثم هي سبعة أنواع قد لخصتها بفروعها وأمثلتها وما يتعلق بها في الإرشاد في مختصر علوم الحديث وأنا أذكر منها هنا رموزاً إلى مقاصدها تفريعاً على الصحيح وهو جوازها الأول إجازة معين لمعين كأجزتك رواية صحيح البخاري أو ما اشتملت عليه فهرستي وهذه أعلى أنواعها. الثاني إجازة غير معين لمعين كأجزتك مسموعاتي أو مروياتي والجمهور على أنه كالأول فتصح الرواية به ويجب العمل بها وقيل بمنعه مع قبول الأول. الثالث أن يجيز لغير معين بوصف العموم كأجزت المسلمين أو كل أحد أو من أدرك زماني ونحوه فالأصح أيضاً جوازها وبه قطع القاضي أبو الطيب وصاحبه الخطيب البغدادي وغيرهما من أصحابنا وغيرهم من الحفاظ ونقل الحافظ أبو بكر الحازمي المتأخر من أصحابنا أن الذين أدركهم من الحفاظ كانوا يميلون إلى جوازها. الرابع إجازة مجهول أو لمجهول كأجرتك كتاب السنن وهو يروي كتباً من السنن أو أجزت لزيد بن محمد وهناك جماعة كذلك فهذه باطلة فإن أجاز لمسمين معينين لا يعرف أعيانهم ولا أنسابهم ولا عددهم صحت كما لو سمعوا منه في مجلسه في مثل هذا الحال. الخامس الإجازة لمعدوم كأجزت لمن يولد لفلان أو لفلان ومن يولد له فالصحيح بطلانها وبه قطع القاضي أبو الطيب وابن الصباغ وجوزه الخطيب وغيره والإجازة للطفل الذي لا يميز صحيحة على الصحيح وبه قطع القاضي أبو الطيب ونقله الخطيب عن شيوخه كافة. السادس إجازة ما لم يسمعه المجيز ولم يتحمله بوجه ليرويه المجاز له إذا تحمله المجيز وهي باطلة قطعاً. السابع إجازة المجاز وهي صحيحة عند أصحابنا وهو الصواب الذي قطع به الحفاظ الأعلام من أصحابنا وغيرهم منهم الدارقطني وأبو نعيم الأصفهاني والشيخ أبو الفتح نصر المقدسي وغيرهم من أصحابنا وإذا كتب الإجازة استحب أن يتلفظ بها ولو اقتصر على الكتابة مع قصد فرع إذا رأى بخط أبيه أن لي على فلان كذا أو أديت إلى فلان كذا قال الأصحاب فله أن يحلف على الاستحقاق والأداء اعتماداً على خط أبيه إذا وثق بخطه وأمانته قال القفال وضابط وثوقه أن يكون بحيث لو وجد في تلك التذكرة لفلان علي كذا لا يجد من نفسه أن يحلف على نفي العلم به بل يؤديه من التركة وفرقوا بينه وبين القضاء والشهادة بأن خطرهما عظيم وعام ولأنهما يتعلقان به ويمكن التذكر فيهما وخط المورث لا يتوقع فيه يقين فجاز اعتماد الظن فيه حتى لو وجد بخط نفسه أن لي على فلان كذا أو أديت إلى فلان دينه لم يجز الحلف حتى يتذكر قاله في الشامل. فرع قال الصيمري ينبغي للشاهد أن يثبت حلية المقر إذا لم يعرفه بعد الشهادة ليستعين بها على التذكر ويقرب من هذا ذكر التاريخ وموضع التحمل ومن كان معه حينئذ ونحو ذلك. الثالثة شهد عنده عدلان أنك حكمت لزيد بكذا وهو لا يذكره لم يحكم بقولهما إلا أن يشهدا بالحق بعد تجديد دعوى وعن ابن القاضي تخريج قول إنه يمضي الحكم الأول بشهادتهما والمذهب الأول ولو شهد أنك تحملت الشهادة في واقعة كذا ولم يتذكر لم يجز أن يشهد وهذا بخلاف رواية الحديث فإن الراوي لو نسي جاز له أن يقبل الرواية ممن سمعها منه على الصحيح وفيها وجه حكاه ابن كج وعلى الصحيح الفرق ما سبق أن باب الرواية على التوسعة ولهذا يقبل من العبد والمرأة ومن الفرع مع وجود الأصل وغير ذلك وإذا لم يتذكر القاضي فحقه أن يتوقف ولا يقول لم أحكم وهل للمدعي والحالة هذه تحليف الخصم أنه لا يعرف حكم القاضي قال صاحب التهذيب يحتمل وجهين ولو شهد الشاهدان على حكمه عند قاض آخر قبل شهادتهما وأمضى حكم الأول إلا إذا قامت بينة بأن الأول أنكر حكمه وكذبهما فإن قامت بينة بأنه توقف فوجهان أوفقهما لكلام الأكثرين أنه يقبل شهادتهما وقال الأودني وصاحب المهذب لا تقبل لأن توقفه يورث تهمة وعلى هذا لو شهد عدلان أن شاهدي الأصل توقفا في الشهادة لم يجز الحكم بشهادة الفروع. الرابعة ادعى على القاضي أنك حكمت لي بكذا قال الأصحاب ليس له أن يرفعه إلى قاض آخر ويحلفه كما لا يحلف الشاهد إذا أنكر الشهادة وعن القاضي حسين أنا إن قلنا اليمين المردودة كالإقرار فله تحليفه ليحلف المدعي إن نكل هذا إذا ادعى عليه وهو قاض فإن ادعى عليه بعد عزله أو في غير محل ولايته عند قاض فنقل الإمام أنه يجوز سماع البينة ولا يقبل إقراره ولا يحلف إن قلنا اليمين المردودة كالإقرار وإن قلنا كالبينة حلف ولك أن تقول سماع الدعوى على القاضي معزولا كان أو غيره بأنه حكم ليس على قواعد الدعاوى الملزمة وإنما يقصد بها التدرج إلى إلزام الخصم فإن كان له بينة فليقمها في وجه الخصم وينبغي أن لا يسمع على القاضي بينة ولا يطالب بيمين كما لو ادعى على رجل أنك شاهدي. الطرف الثالث في التسوية وفيه مسائل: الأولى ليسو القاضي بين الخصمين في دخولهما عليه وفي القيام لهما والنظر فيهما والاستماع وطلاقة الوجه وسائر أنواع الإكرام فلا يخص أحدهما بشيء من ذلك ويسوي في جواب سلامهما فإن سلما أجابهما معاً وإن سلم أحدهما قال الأصحاب يصبر حتى يسلم الآخر فيجيبهما وقد يتوقف في هذا إذا طال الفصل وذكروا أنه لا بأس أن يقول للآخر سلم فإذا سلم أجابهما وكأنهم احتملوا هذا الفصل محافظة على التسوية وحكى الإمام أنهم جوزوا له ترك الجواب مطلقاً واستبعده. ويسوي بينهما في المجلس فيجلس أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله إن كانا شريفين أو بين يديه وهو الأولى على الإطلاق فلو كان أحدهما مسلماً والآخر كافراً فالصحيح وبه قطع العراقيون أنه يرفع المسلم في المجلس والثاني يسوي ويشبه أن يجري الوجهان في سائر وجوه الإكرام ثم التسوية بين الخصمين في الأمور المذكورة واجبة على الصحيح وبه قطع الأكثرون واقتصر ابن الصباغ على الإستحباب. الثانية ليقبل عليهما بمجامع قلبه وعليه السكينة ولا يمازح أحدهما ولا يضاحكه ولا يشير إليه ولا يساره ولا ينهرهما ولا يصيح عليهما إذا لم يفعلا ما يقتضي التأديب ولا يتعنت الشهود بأن يقول لم تشهدون وما هذه الشهادة ولا يلقن المدعي الدعوى بأن يقول ادع عليه كذا ولا المدعى عليه الإقرار والإنكار ولا يجري المسائل إلى النكول على اليمين وكذا لا يلقن الشاهد الشهادة ولا يجرئه إذا مال إلى التوقف ولا يشككه ولا يمنعه إذا أراد الشهادة هذا في حقوق الآدميين وأما في حدود الله تعالى فالقاضي يرشد إلى الإنكار على ما هو موضح في موضعه وإذا كان يدعي دعوى غير محررة قال الاصطخري يجوز أن تبين له كيفية الدعوى الصحيحة وقال غيره لا يجوز وتعريف الشاهد كيفية أداء الشهادة على هذين الوجهين قال في العدة أصحهما الجواز ولا بأس بالإستفسار بأن يدعي دراهم فيقول أهي صحاح أم مكسورة ويستحب إذا أراد الحكم أن يجلس المحكوم عليه ويقول قامت البينة عليك بكذا ورأيت الحكم عليك ليكون أطيب لقلبه وأبعد عن التهمة ونص في الأم أنه يندبهما إلى الصلح بعد ظهور وجه الحكم ويؤخر الحكم اليوم واليومين إذا سألهما فجعلاه في حل من التأخير فإن لم يجتمعا على التحليل لم يؤخر. الثالثة إذا جلسا بين يديه فله أن يسكت حتى يتكلما وله أن يقول ليتكلم المدعي منكما وأن يقول للمدعي إذا عرفه تكلم ولو خاطبهما بذلك الأمين الواقف على رأسه كان أولى فإذا ادعى المدعي طالب خصمه بالجواب وقال ما تقول وفيه وجه ضعيف أنه لا يطالبه بالجواب حتى يسأله المدعي ثم ينظر في الجواب إن أقر بالمدعى فللمدعي أن يطلب من القاضي الحكم عليه وهل يثبت المدعى بمجرد الإقرار أم يفتقر ثبوته إلى قضاء القاضي وجهان أحدهما يفتقر كالثبوت بالبينة وأصحهما لا لأن دلالة الإقرار على وجوب الحق جلية والبينة تحتاج إلى نظر واجتهاد هكذا ذكرت المسألة ولا يظهر الخلاف فيها لأنه إن كان الكلام في ثبوت المدعى به في نفسه فمعلوم لأنه لا يتوقف على الإقرار فكيف على الحكم بعد الإقرار وإن كان المراد المطالبة والإلزام فلا خلاف أن للمدعي الطلب بعد الإقرار وللقاضي الإلزام وإن أنكر المدعى عليه فللقاضي أن يسكت وله أن يقال للمدعي ألك بينة وقيل لا يقول ذلك لأنه كالتلقين والصحيح الأول فإن قال المدعي لي بينة وأقامها فذاك وإن قال لا أقيمها وأريد يمينه مكن منه وإن قال ليس لي بينة حاضرة فحلف القاضي المدعى عليه ثم جاء ببينة سمعت وإن قال لا بينة لي حاضرة ولا غائبة سمعت أيضاً على الأصح لأنه ربما لم يعرف أو نسي ثم عرف أو تذكر وقيل لا يسمع للمناقضة إلا أن يذكر لكلامه تأويلا ككنت ناسيا أو جاهلا ولو قال لا بينة لي واقتصر عليه فقال البغوي هو كقوله لا بينة لي حاضرة وقيل كقوله لا حاضرة ولا غائبة فيكون فيه الوجهان ولو قال شهودي عبيد أو فسقة ثم أتى بعدول قبلنا شهادتهم إن مضى زمان يمكن فيه العتق والاستبراء. حكى الهروي وجهين في أن الحق يجب بفراغ المدعي من اليمين المردودة أم لا بد من حكم الحاكم أو أشار إلى بنائهما على أن اليمين المردودة كالبينة أم كالإقرار. الرابعة إذا ازدحم جماعة مدعين فإن عرف السبق قدم الأسبق فالأسبق والاعتبار سبق المدعي دون المدعى عليه وإن جاءوا معاً أو جهل السبق أقرع فإن كثروا وعسر الإقراع كتب أسماءهم في رقاع وصبت بين يدي القاضي ليأخذها واحدة واحدة ويسمع دعوى من خرج اسمه في كل مرة ويستحب أن يرتب ثقة يكتب أسماءه يوم قضائه ليعرف ترتيبهم ولو قدم الأسبق غيره على نفسه جاز والمفتي والمدرس يقدمان عند الازدحام أيضاً بالسبق أو بالقرعة ولو كان الذي يعلمه ليس من فروض الكفاية فالإختيار إليه في تقديم من شاء ولا يقدم القاضي مدعياً بشرف ولا غيره إلا في موضعين أحدهما إذا كان في المدعين مسافرون مستفزون وقد شدوا الرحال ليخرجوا ولو أخروا لتخلفوا عن رفقتهم فإن قلوا قدموا على الصحيح وإلا فلا بل يعتبر السبق بالقرعة والثاني لو كان في الحاضرين نسوة ورأى القاضي تقديمهن لينصرفن قدمهن على الصحيح بشرط أن لا يكثرن وينبغي أن لا يفرق بين أن يكون المسافر والمرأة مدعياً أو مدعى عليه ثم تقديم المسافر والمرأة ليس بمستحق على الصحيح بل هو رخصة لجواز الأخذ به وهذا ظاهر نصه في المختصر ومنهم من يشعر كلامه بالاستحقاق. قلت المختار أنه مستحب لا يقتصر به على الإباحة والله أعلم. ثم لا يخفى أن المراد تقديم المسافر على المقيمين والمرأة على الرجال فأما المسافرون بعضهم مع بعض وكذا النسوة فالرجوع فيهم إلى السبق أو القرعة. فرع المقدم بالسبق أو القرعة لا يقدم إلا في دعوى واحدة لئلا على الباقين فإن كان له دعوى أخرى فليحضر في مجلس آخر أو ينتظر فراغ القاضي من حكومات سائر الحاضرين وحينئذ تسمع دعواه الثانية إن لم يضجر القاضي ولا فرق بين أن تكون الدعوى الثانية والثالثة على الذي ادعى عليه الدعوى الأولى أو على غيره وفيه وجه ضعيف أن الزيادة على الأولى مسموعة إذا اتحد المدعى عليه وعلى هذا قال في الوسيط تسمع إلى ثلاث دعاوي ومنهم من أطلق ولا خلاف أنه يسمع على المدعى عليه دعوى ثان وثالث لأن الدعوى للمدعي وقد تعدد ونقل ابن كج هنا وجهين غريبين ضعيفين أحدهما أن المقدم بدعوى لا تسمع منه الثانية إلا في مجلس آخر وإن فرغ القاضي من دعاوي الحاضرين وعليهم بعد ذلك ترفيهه الثاني لا يسمع على الواحد إلا دعوى شخص واحد وأما المقدم بالسفر فيحتمل أن لا يقدم إلا بدعوى ويحتمل أن يقدم بجميع دعاويه لأن سبب تقديمه أن لا يتخلف عن رفقته ويحتمل أن يقال إذا عرف أن له دعاوى فهو كالمقيمين لأن تقديمه بالجميع يضر غيره وتقديمه بدعوى لا يحصل الغرض. قلت الأرجح أن دعاويه إن كانت قليلة أو ضعيفة بحيث لا يضر بالباقين إضراراً بينا قدم بجميعها وإلا فيقدم بواحدة لأنها مأذون فيها وقد يقنع بواحدة ويؤخر الباقي إلى أن يخصه والله أعلم. الخامسة تنازع الخصمان وزعم كل واحد أنه هو المدعي نظر إن سبق أحدهما إلى الدعوى لم يلتفت إلى قول الآخر إني كنت المدعي بل عليه أن يجيب ثم يدعي إن شاء وإن لم يسبق وتنازعا سأل العون فمن أحضره العون فهو المدعى عليه فيدعي الآخر عليه وكذا لو قامت بينة لأحدهما أنه أحضر الآخر ليدعي عليه وإن استوى الطرفان أقرع فمن خرجت قرعته ادعى وقيل يقدم القاضي أحدهما باجتهاده. قد سبق في باب الوليمة الخلاف في أن الإجابة إليها واجبة أم مستحبة وذلك في غير القاضي أما القاضي فلا يحضر وليمة أحد الخصمين في حال خصومتهما ولا وليمتهما لأنه قد يزيد أحدهما في إكرامه فيميل إليه قلبه وأما وليمة غير الخصمين فثلاثة أوجه أحدها تحرم عليه الإجابة إليها والثاني تجب إذا أوجبناها على غيره والثالث وهو الصحيح لا تحرم ولا تجب بل تستحب بشرط التعميم فإن كثرت وقطعته عن الحكم تركها في حق الجميع ولا يخص بعض الناس لكن لو كان يخص بعض الناس قبل الولاية بإجابة وليمة فنقل ابن كج عن نص الشافعي رحمه الله أنه لا بأس بالاستمرار وتكره إجابته إلى دعوة اتخذت لأجل القاضي خاصة أو للأغنياء ودعي فيهم ولا يكره إلى ما اتخذ للجيران وهو منهم أو للعلماء ودعي فيهم واعلم أن إجابة غير وليمة العرس من الدعوات مستحبة وظاهر ما أطلقه الأصحاب ثبوت الاستحباب في حق القاضي أيضاً وإن كان الاستحباب في الوليمة آكد ومنهم من خص الاستحباب بالوليمة وبه قال ابن القاص. فرع لا يضيف القاضي أحد الخصمين دون الآخر ويجوز أن يضيفهما معاً على الصحيح ومنعه أبو إسحاق لأنه قد يتوهم كل واحد أن المقصود بالضيافة صاحبه وأنه تبع وهذا يشكل بسائر وجوه التسوية. السابعة له أن يشفع لأحدهما وأن يؤدي المال عمن عليه لأنه ينفعهما. الثامنة يعود المرضى ويشهد الجنائز ويزور القادمين وإذا لم يمكنه الاستيعاب فعل الممكن من كل نوع ويخص به من عرفه وقرب منه قال القاضي أبو حامد هو كإجابة الوليمة يعم الجميع أو يترك الجميع والصحيح الأول وبه قطع الجمهور لأن معظم المراد بهذه الأنواع الثواب ولا فرق في هذه الأنواع بين المتخاصمين وغيرهما هكذا قاله الأكثرون وفي أمالي أبي الفرج أنه لا يعود الخصم ولا يزوره إذا قدم لكن يشهد جنازته. الطرف الرابع في البحث عن حال الشهود وتزكيتهم وفيه مسائل: الأولى الثانية إذا شهد عنده شهود نظر إن عرف فسقهم رد شهادتهم ولم يحتج إلى بحث وإن عرف عدالتهم قبل شهادتهم ولا حاجة إلى التعديل وإن طلبه الخصم وفيه وجه سبق في القضاء بالعلم وإن لم يعرف حالهم لم يجز قبول شهادتهم والحكم بها إلا بعد الاستزكاء والتعديل سواء طعن الخصم فيهم أو سكت ولو أقر الخصم بعدالتهما ولكن قال أخطأ في هذه الشهادة فوجهان أحدهما يحكم بشهادتهما بلا بحث عنهما لأن البحث لحقه وقد اعترف بعدالتهما وأصحهما لا بد من البحث والتعديل لحق الله تعالى ولهذا لا يجوز الحكم بشهادة فاسق وإن رضي الخصم ولأن الحكم بشهادته يتضمن تعديله والتعديل لا يثبت بقول واحد وإن صدقهما فيما شهدا به قضى القاضي بإقراره بالحق واستغنى عن البحث عن حالهما وكذا لو شهد واحد فصدقه ولو شهد معلوماً العدالة ثم أقر المشهود عليه بما شهدا به قبل حكم القاضي فهل يستند الحكم إلى الإقرار دون الشهادة أم إليهما جميعاً وجهان حكاهما الهروي قال والصحيح منهما الأول والثاني حكاه الفوراني في المناظرة وذكر الهروي أنه لو بعد الحكم بشهادتهما فقد مضى الحكم مستنداً إلى الشهادة سواء وقع إقراره بعد تسليم المال إلى المشهود له أم قبله وفيما قبل التسليم وجه ضعيف وأنه لو قال الخصم للشاهد قبل أداء الشهادة ما تشهد به علي فأنت عدل صادق لم يكن ذلك إقراراً لكنه تعديل للشاهد إن كان من أهل التعديل. فرع إذا جهل القاضي إسلام الشاهد لم يقنع بظاهر الدار بل يبحث عنه ويكفي فيه قول الشاهد ولو جهل حريته بحث أيضاً ولا يكفي فيه قوله على الأصح لأنه لا يستقل بها بخلاف الإسلام وحكى ابن كج وجهاً أن الاستزكاء لا يجب مطلقاً إلا إذا طلبه الخصم وليس بشيء. فرع قال في العدة إذا استفاض فسق الشاهد بين الناس فلا حاجة إلى البحث والسؤال ويجعل المستفيض كالمعلوم. الثالثة ينبغي أن يكون للقاضي مزكون وأصحاب مسائل فالمزكون هم المرجوع إليهم ليبينوا حال الشهود وأصحاب المسائل هم الذين يبعثهم إلى المزكين ليبحثوا ويسألوا وربما فسر أصحاب المسائل في لفظ الشافعي بالمزكين ثم المخبرون عن فسق الشهود وعدالتهم ضربان أحدهما من نصبه الحاكم للجرح والتعديل مطلقاً أو في واقعة خاصة فيسمع الشهادة عليهما وما ثبت عنده أنهاه إلى القاضي والثاني من يشهد بالعدالة أو الفسق ثم من هؤلاء من يشهد أصالة ومنهم من يشهد على شهادة غيره والأول قد يعرف الحال فيشهد وقد لا يعرف فيأمره القاضي بالبحث ليعرف فيشهد كما يوكل القاضي بالغريب الذي يدعي الإفلاس من يبحث عنه ويخالطه ليعرف إفلاسه فيشهد وأما الثاني فهو شاهد فرع والقياس أنه لا يشهد إلا عند غيبة الأصل أو تعذر حضوره وكذا ذكره الهروي وسيأتي إن شاء الله تعالى ما ينازع فيه وإذا أراد الحاكم البحث عن حال الشهود كتب اسم الشاهد وكنيته إن اشتهر بها وولاءه إن كان عليه ولاء واسم أبيه وجده وحليته وحرفته وسوقه ومسجده لئلا يشتبه بغيره فإن كان مشهوداً وحصل التمييز ببعض هذه الأوصاف كفى ويكتب أيضاً اسم المشهود له والمشهود عليه فقد يكون بينهما ما يمنع شهادته له أو عليه من قرابة أو عداوة وفي قدر المال وجهان أحدهما لا يكتبه لأنه العدالة لا تتجزأ والصحيح المنصوص أنه يذكره لأنه قد يغلب على الظن صدق الشاهد في القليل دون الكثير وأما دعوى الأول أن العدالة لا تتجزأ فقد حكى أبو العباس الروياني في ذلك وجهين وبنى عليهما أنه لو عدل وقد شهد بمال قليل ثم شهد في الحال بمال كثير هل يحتاج إلى تجديد تزكية ويكتب إلى كل مزك كتاباً ويدفعه إلى صاحب مسألة ويخفي كل كتاب عن غير من دفعه إليه وغير من بعثه إليه احتياطاً ثم إذا وقف القاضي على ما عند المزكين فإن كان جرحاً لم يظهره وقال للمدعي زدني في الشهود وإن كان تعديلا عمل بمقتضاه ثم حكى الأصحاب والحالة هذه وجهين في أن الحكم بقول المزكين أم بقول أصحاب المسائل قال أبو إسحاق بقول المزكين لأن أصحاب المسائل شهود على شهادة فكيف تقبل مع حضور الأصل وإنما هم رسل وعلى هذا يجوز أن يكون صاحب المسألة واحداً فإن عاد بالجرح توقف القاضي وإن عاد بالتعديل دعا مزكيين ليشهدا عنده بعدالة الشاهد ويشيرا إليه ويأمن بذلك من الغلط من شخص إلى شخص قال الاصطخري إنما يحكم بقول أصحاب المسائل ويبنى على ما ثبت عندهم بقول المزكين قال ابن الصباغ وهذا وإن كان شهادة على شهادة تقبل للحاجة لأن المزكي لا يكلف الحضور وقول الاصطخري أصح عند الشيخ أبي حامد والقاضي أبي الطيب وغيرهما قالوا وعلى هذا إنما يعتمد القاضي قول اثنين من أصحاب المسائل فإن وصفاه بالفسق فعلى ما سبق وإن وصفاه بالعدالة أحضر الشاهدين ليشهدا بعدالته ويشيرا إليه وإذا تأملت كلام الأصحاب فقد تقول ينبغي أن لا يكون في هذا خلاف محقق بل إن ولي صاحب المسألة الجرح والتعديل فحكم القاضي مبني على قوله ولا يعتبر العدد لأنه حاكم وإن أمره بالبحث بحث ووقف على حال الشاهد وشهد بما وقف عليه فالحكم أيضاً مبني على قوله لكن يعتبر العدد لأنه شاهد وإن أمره بمراجعة مزكيين فصاعداً وبأن يعلمه بما عندهما فهو رسول محض والاعتماد على قولهما فليحضرا ويشهدا وكذا لو شهد على شهادتهما لأن الشاهد الفرع لا يقبل مع حضور الأصل. فرع من نصب حاكماً في الجرح والتعديل اعتبر فيه صفات القضاة ومن شهر بالعدالة أو الفسق اشترط فيه صفات الشهود ويشترط مع ذلك العلم بالعدالة والفسق وأسبابهما وأن يكون المعدل خبيراً بباطن حال من يعدله لصحبة أو جوار أو معاملة ونحوها قال في الوسيط ويلزم القاضي أن يعرف أن المزكي خبير بباطن الشاهد في كل تزكية إلا إذا علم من عادته أنه لا يزكي إلا بعد الخبرة ثم ظاهر لفظ الشافعي رحمه الله اعتبار التقادم في المعرفة الباطنة لأنه لا يمكن الاختبار في يوم أو يومين ويشبه أن يقال شدة الفحص والإمعان تقوم مقام التقادم في المعرفة الباطنة ويمكن الاختبار في مدة يسيرة وليس ذكر التقادم على سبيل الاشتراط بل لأن الغالب أن المعرفة الباطنة لا تحصل إلا بذلك ويوضح هذا ما ذكرنا أن القاضي يأمر بالبحث ليعرف حال الشاهد فيزكيه ولو اعتبرنا التقادم لطالت المدة وتضرر المتداعيان بالتأخير الطويل أما الجرح فيعتمد فيه المعاينة أو السماع فالمعاينة أن يراه يزني أن يشرب الخمر والسماع بأن يسمعه يقذف أو يقر على نفسه بزنا أو شرب خمر فإن سمع من غيره نظر إن بلغ المخبرون حد التواتر جاز الجرح لحصول العلم وكذا إن لم يبلغ التواتر لكن استفاض جاز الجرح أيضاً صرح به ابن الصباغ والبغوي وغيرهما ولا يجوز الجرح بناء على خبر عدد يسير لكن يشهد على شهادتهم بشرط الشهادة على الشهادة وذكر البغوي تفريعاً على قول الاصطخري في أن الحكم بقول أصحاب المسائل أنه يجوز أن يعتمد فيه أصحاب المسائل خبر واحد من الجيران إذا وقع في نفوسهم صدقه وهل يشترط ذكر سبب رؤية الجرح أو سماعه وجهان أحدهما نعم فيقول مثلا رأيته يزني وسمعته يقذف وعلى هذا القياس يقول في الاستفاضة استفاض عندي والثاني هو المذكور في الشامل لا حاجة إليه وليس للحاكم أن يقول من أين عرفت حاله وعلى أي شيء بنيت شهادتك كما في سائر الشهادات وهذا أقيس ويحكى عن ابن أبي هريرة والأول أشهر ولا يجعل الجارح بذكر الزنى قاذفاً للحاجة كما لا يجعل الشاهد قاذفاً فإن لم يوافقه غيره فليكن كما لو شهد ثلاثة بالزنى هل يجعلون قذفة فيه القولان. قلت المختار أو الصواب أنه لا يجعل قاذفاً وإن لم يوافقه غيره لأنه معذور في شهادته بالجرح فإنه مسئول عنهما وهي في حقه فرض كفاية أو متعينة فهو معذور بخلاف شهود الزنى فإنهم مندوبون إلى الستر فهم مقصرون والله أعلم. ولو أخبره بعدالته من يحصل بخبره الاستفاضة وهم من أهل الخبرة بباطن من يعدلون لم يبعد أن يجوز له تعديله بذلك وتقام خبرتهم مقام خبرته كما أقيم في الجرح رؤيتهم مقام رؤيته فرع وينبغي أن يكون المزكون وافري العقول لئلا يخدعوا وبراء من الشحناء والعصبية في النسب والمذهب ويجتهد في إخفاء أمرهم لئلا يشهروا في الناس بالتزكية وهل يشترط لفظ الشهادة من المزكي وجهان أصحهما نعم فيقول أشهد أنه عدل. فرع لا يجوز أن يزكي أحد الشاهدين الآخر وفيه وجه ضعيف وعن كتاب حرملة أنه لو شهد اثنان وعدلهما آخران لا يعرفهما القاضي وزكى الآخرين مزكيان للقاضي جاز ولو زكى ولده أو والده لم يقبل على الصحيح وبه قطع العبادي وغيره. فرع لا تثبت العدالة بمجرد رقعة المزكي على الصحيح لأن الخط لا يعتمد في الشهادة كما سبق وجوزه القاضي حسين للاعتماد على الرقعة قال في الوسيط تفريعاً على الأول يكفي رسولان مع الرقعة وأن الصحيح وجوب المشافهة وهذا ظاهر إن كان القاضي يحكم بشهادة المزكين فأما إن ولي بعضهم الحكم بالعدالة والجرح فليكن كتابه ككتاب القاضي إلى القاضي وليكن الرسولان كالشاهدين على كتاب القاضي. فرع لا يقبل الجرح المطلق بل لا بد من بيان سببه ولا حاجة إلى بيان سبب التعديل لأن أسبابه غير منحصرة وفيه وجه ضعيف حكاه في العدة وليس بشيء والأصح أنه يكفي أن يقول هو عدل وقيل ويشترط أن يقول عدل علي ولي وهو ظاهر نصه في الأم و المختصر لكن تأوله الأولون أو جعلوه تأكيداً لا شرطاً ولا يحصل التعديل بقوله لا أعلم منه إلا خيراً أو لا أعلم منه ما ترد به الشهادة. المسألة الرابعة إذا ارتاب القاضي بالشهود أو توهم غلطهم لخفة عقل وجدها فيهم فينبغي أن يفرقهم ويسأل كل واحد منهم عن وقت تحمل الشهادة عاماً وشهراً ويوماً وغدة أو عشية ومكان محلة وسكة ودار وصفة ويسأل أتحمل وحده أم مع غيره وأنه كتب شهادته أم لا وأنه كتب قبل فلان أم بعده وكتبوا بحبر أم بمداد ونحو ذلك ليستدل على صدقهم إن اتفقت كلمتهم ويقف إن لم تتفق وإذا أجابه أحدهم لم يدعه يرجع إلى الباقين حتى يسألهم القاضي لئلا يخبرهم بجوابه ومتى اتفقوا على الجواب أو لم يتعرضوا للتفصيل ورأى أن يعظهم ويحذرهم عقوبة شهادة الزور فعل فإن أصروا وجب القضاء إذا وجد شروطه ولا عبرة بما يبقى من ريبة وإن لم يجد فيهم خفة ولا ريبة فالصحيح الذي عليه الجمهور أنه لا يفرقهم لأن فيه غضاً منهم. وقال الروياني يفرقهم وقال البغوي إن فرقهم بمسألة الخصم فلا بأس ثم إن التفريق والاستفصال جعله الغزالي بعد التزكية والصحيح الذي علله العراقيون وغيرهم أنه قبل الاستزكاء فإن اطلع على عورة استغنى عن الاستزكاء والبحث عن حالهم وإن لم يطلع فإن عرفهم بالعدالة حكم وإلا فحينئذ يستزكي وهل هذا التفريق والاستفصال واجب أم مستحب فيه أوجه الصحيح الذي ذكره ابن كج والبغوي وعامة الأصحاب وهو الموافق للفظ المختصر أنه مستحب والثاني واجب قاله الإمام والغزالي قالا ولو تركه وقضى مع الارتياب لم ينفذ والثالث إن سأل الخصم وجب وإلا فلا. الخامسة تقدم بينة الجرح على بينة التعديل لزيادة علم الجارح فلو انعكس الأمر بأن قال المعدل قد عرفت السبب الذي ذكره الجارح لكنه تاب منه وحسنت حاله قدمت بينة التعديل لأن مع المعدل هنا زيادة علم كذا ذكره جماعة منهم صاحب الشامل وقول الواحد لا يقبل في الجرح فضلا عن تقديمه. السادسة عدل الشاهد ثم شهد في واقعة أخرى فإن لم يطل الزمان حكم بشهادته ولا يطلب تعديله ثانياً وإن طال فوجهان أصحهما يطلب تعديله ثانياً لأن طول الزمان يغير الأحوال ثم يجتهد الحاكم في طوله وقصره. السابعة شهادات المسافرين والمجتازين من القوافل كشهادة غيرهم في الحاجة إلى التعديل فإن عدلهما مزكيان في البلد أو عدل مزكيان اثنين من القافلة ثم هما عدلا الشاهدين قبلت شهادتهما وإلا فلا. الثامنة سأل القاضي عن الشهود في غير محل ولايته فعدلوا ثم عاد إلى محل ولايته قال ابن القاص له الحكم بشهادتهم إن جوزنا القضاء بالعلم وخالفه أبو عاصم وآخرون وقالوا القياس منعه كما لو سمع البينة خارج ولايته. التاسعة عدل شاهد والقاضي يتحقق فسقه بالتسامع قال الإمام الذي يجب القطع به أنه يتوقف ولا يقضي. العاشرة تقبل شهادة الحسبة على العدالة والفسق لأن البحث عن حال الشهود ومنع الحكم بشهادة الفاسق حق لله تعالى.
|