الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.الخبر عن حركة السلطان أبي عنان إلى تلمسان وايقاعه ببني عبد الواد بانكاد ومهلك سلطانهم سعيد: لما هلك السلطان أبو الحسن وانقضى شأن الحصار ارتحل السلطان أبو عنان إلى فاس ونقل شلو أبيه إلى مقبرتهم بشالة فدفنه مع من هنالك من سلفه وأغذ السير إلى فاس وقد استبد بالأمر وخلت الدولة عن المنازع فاحتل بفاس وأجمع أمره على غزو بني عبد الواد لارتجاع ما بأيديهم من الملك الذي سموا لاستخلاصه ولما كان فاتح سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة نادى بالعطاء وأزاح العلل وعسكر بساحة البلد الجديد واعترض العساكر وارتحل يريد تلمسان واتصل الخبر بأبي سعيد وأخيه فجمعوا قومهم ومن إليهم من الأشياع والأحزاب من زناتة والعرب وارتحلوا إلى لقائه ونزل السلطان بعساكره وادي ملوية وتلوم به أياما لاعتراض الحشود والعرب ثم رحل على التعبية حتى إذا احتل ببسيط أنكاد وتراءى الجمعان انفض سرعان المعسكر ولحقوا بالعرب وركب السلطان في التعبية وخاض بحر القتال وقد أظلم الجوبه حتى إذا خلص إليهم من غمره وخالطهم في صفوفهم ولوا الأدبار ومنحوهم الأكتاف واتبع بنو مرين آثارهم فاستولوا على معسكرهم واستباحوه واستباحوهم قتلا وسبيا وصفدوهم أسرى وغشهم الليل وهم متسايلون في أثرهم وتقبض على أبي سعيد سلطانهم فسيق إلى السلطان فأمر باعتقاله وأطلق أيدي بني مرين من الغد على حلل العرب من المعقل فاستباحوهم واكتسحوا أموالهم جزاء بما شرهوا إليه من النهب في المحنة في هيعة ذلك المجال ثم ارتحل على تعبيته إلى تلمسان فاحتل بها لربيع من سنته واستوت في ملكها قدمه وأحضر أبا سعيد فقرعه ووبخه وأراه أعماله حسرة عليها وأحضر الفقهاء وأرباب الفتيا فأفتوا بحرابته وقتله فأمضى حكم الله فيه فذبح في محبسه لتاسعة من اعتقاله وجعله مثلا للآخرين وخلص أخوة الزعيم أبو ثابت إلى قاصية الشرق فكان من خبره ما نذكره إن شاء الله تعالى والله أعلم..الخبر عن شأن أبي ثابت وايقاع بني مرين به بوادي شلف وتقبض الموحدين عليه بجاية: لما أوقع السلطان ببني عبد الواد بأنكاد وتقبض على أبي سعيد سلطانهم خلص أبو ثابت أخوه في فل منهم ومر بتلمسان فاحتمل حرمهم ومخلفهم وأجفل إلى الشرق فاحتل بشلف من بلاد مغراوة وعسكر هنالك واجتمع إليه أوشاب من زناتة وحدث نفسه باللقاء ووعدها بالصبر والثبات وسرح السلطان وزيره فارس بن ميمون بن ودرار في عساكر بني مرين والجند فأغذ السير إليهم وارتحل من تلمسان على أثره ولما تراءى الجمعان صدق الفريقان المجاولة وخاضوا النهر بالقراع ثم صدق بنو مرين الحملة واجتازوا النهر إليهم فانكشفوا واتبعوا آثارهم واستلحموهم واستباحوا معسكرهم واستاقوا أموالهم ودوابهم ونساءهم وارتحلوا في اتباعهم وكتب الوزير بالفتح إلى السلطان ومر أبو ثابت بالجزائر طارقا وأجاز إلى قاصية المشرق فاعترضهم قبائل زواوة وأرجلوهم عن خيلهم وانتهبوا أسلابهم ومروا حفاة عراة واحتل الوزير بالجزائر واستولى علما واقتضى بيعة السلطان منهم فآتوها واحتل الوزير بالمدية وأوعز إلى أمير بجاية المولى أبي عبد الله حافد مولانا الأمير أبي يحيى مع وليه ونزمار وخالصته يعقوب بن على بالتقبض على أبي ثابت وأشياعه فأذكوا العيون عليهم وقعدوا لهم بالمرصاد وعثر بعض الحشم على أبي ثابت وأبي زيان ابن أخيه أبي سعيد ووزيرهم يحيى بن داود فرفعوهم إلى الأمير ببجاية فاعتقلهم وارتحل للقاء السلطان بالمدية وبعثهم مع مقدمته وجاء على أثرهم ونزل على السلطان بمعسكره من المدية خير نزل بعد أن تلقاه بالمبرة والاحتفاء وركب للقائه ونزل عن فرسه للسلطان فزل السلطان برا له وأودع أبا ثابت السجن وتوافت إليه وفود الزواودة بمكانه من ألمدية فأكرم وفدهم وأسنى أعطياتهم من الخلع والحملان والذهب وانقلبوا خير منقلب ووافته بمكانه ذلك بيعة ابن مزني عامل الزاب ووفدهم فأكرمهم ووصلهم وفرغ السلطان من شأن المغرب الأوسط وبث العمال في نواحيه وثقف أطرافه وسما إلى ملك إفريقية كما نذكره إن شاء الله تعالى..الخبر عن تملك السلطان أبي عنان بجاية وانتقال صاحبها إلى المغرب: لما وصل السلطان أبو عبد الله محمد ابن الأمير أبي زكريا يحيى صاحب بجاية إلى السلطان بمكانه من المدية في شعبان من سنته وأقبل السلطان عليه وبوأه كنف ترحيبه وكرامته خلص الأمر به نجيا وشكا إليه ما يلقاه من أهل عمله من الامتناع من الجباية والسعي في الفساد وما يتبع ذلك من زبون الحامية واستبداد البطانة وكان السلطان متشوقا لمثلها فأشار عليه بالنزول عنها وأن يديله عنها بما ضاء من بلاده فسارع إلى قبول إشارته ودس إليه مع حاجبه محمد بن أبي عمرو أن يشهد بذلك على رؤوس الملاء ففعل وفعل عليه بطانته ذلك وفي بعضهم من عسكره فلحق بإفريقية ومنهم على ابن القائد محمد بن الحكيم وأمره السلطان أن يكتب بخطه إلى عامله على البلد بالنزول عنها وتمكين عمال السلطان منها ففعل وعقد السلطان عليها لعمر بن على الوطاسي من أولاد الوزير الذي ذكرنا خبر انتزائهم بتازوطا من قبل ولما قضى السلطان حاجته من المغرب الأوسط واستولى على بجاية انكفأ راجعا إلى تلمسان لشهود الفير بها ودخلها في يوم مشهود وحمل أبا ثابت ووزيره يحيى بن داود على جملين يخطوان بهما في ذلك المحفل بين السماطين فكانا عبرة لمن حضر وسيقا من الغد إلى مصارعها فقتلا قعصا بالرماح وأنزل السلطان المولى الأمير أبا عبد الله صاحب بجاية خير نزل وفرش له في مجلسه تكرمة له إلى أن كان من توثب صنهاجة وأهل بجاية بعمر بن على ما نحن ذاكروه إن شاء الله تعالى.
|