الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الواضح في علوم القرآن
.3- وتارة تكون بعد ذكر القصة: هذه اللفتات المدهشة والتوجيهات الرائعة جاءت في أعقاب ذكر قصة نوح عليه السلام مع قومه، وموسى وهارون عليهما السلام مع فرعون ثم مع بني إسرائيل، وما كان من هؤلاء الأقوام، وما كان من عقاب من عاند، وجزاء من انصاع إلى الحق، ونصرة من دعا إلى الله عزّ وجلّ. .5- خصائص القصة القرآنية: وأهم هذه الخصائص ما يلي: .أ- العرض التصويري: .ألوانه وأمثلته: فمن أمثلة القصص التي برزت فيها قوة العرض والإحياء: قصة أصحاب الجنة، ومشهد إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام في بناء الكعبة، ومشهد نوح عليه السلام وابنه في الطوفان، وقصة أصحاب الكهف. ومن أمثلة ما برز فيه تصوير العواطف والانفعالات: قصة صاحب الجنتين وصاحبه الذي يحاوره، وقصة موسى عليه السلام مع الرجل الصالح، وقصة مريم عند ميلادها عيسى عليهما السلام. وأما أمثلة اللون الثالث وهو: رسم الشخصيات وبروزها في القصة القرآنية: فهو القصص القرآني كله، واقرأ على سبيل المثال: قصة موسى عليه السلام مع فرعون، وقصة إبراهيم عليه السلام مع قومه، وقصة يوسف عليه السلام، وقصة سليمان عليه السلام مع بلقيس، فكلها قصص يبرز فيها تصوير الشخصيات ورسمها على أدق ما يكون الرسم وأبرع ما يكون التصوير. .نموذج تحليلي: .المشهد الأول: .والمشهد الثاني: .وأما المشهد الثالث: .ثم يأتي المشهد الرابع: ثم تأتي المناسبة للتوجيهات في ثنايا القصة وأعقابها على طريقة القرآن في قصصه: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً (23) إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً (24) وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً (25) قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً (26) وَاتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً} [الكهف: 23- 27]. .ب- التنويع في الاستهلال بالقصة ووضع المدخل إليها: 1- البداءة بأغرب مشهد يلفت النظر فيها؛ حتى لو كان هذا المشهد متأخرا في سلسلة الحوادث؛ لأن المشهد الغريب من شأنه أن يثير الانتباه أكثر من غيره، حتى إذا تفتح الذهن وأقبل على القصة، عمد البيان إلى استدراك ما فات من المشاهد، وتحين المناسبة لعرضه بشكل متناسق ومتساو مع جمال العرض وأداء الغرض. وخذ مثالا على ذلك قصة موسى عليه السلام في سورة (طه) حيث افتتحت بهذا المشهد: {وَهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى (9) إِذْ رَأى ناراً فَقالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً} [طه: 9- 10]. ثم يعود السياق بعد هذه البداءة ليستدرك جوانب القصة ومشاهدها. 2- التقديم للقصة بخلاصة عنها، وذلك بأن ينتزع من مشاهد القصة أهم مظاهر العبرة فيها، فتصاغ بشكل خلاصة تجعل مدخلا للقصة وبداية لها، ثم تعرض التفصيلات بعد هذا المدخل. وهذا مظهر من مظاهر التشويق، التي تضع في مخيلة القارئ صورة مختصرة عن القصة، تبعث فيه الرغبة إلى التوسع في معرفة جوانبها. وخير مثال على ذلك قصة أصحاب الكهف إذ بدئت بتلك الخلاصة: {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً (9) إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً (10) فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً (11) ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً. ثم يبدأ التفصيل بقوله تعالى: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ} [الكهف: 9- 12]. 3- الاستهلال بذكر الأسباب والنتائج، وما يكشف عن مغزى القصة وحكمة أحداثها؛ فتتجسد العبرة التي ينبغي أن تؤخذ منها، وتتشوق النفس لمعرفة الطريقة التي تتحقق بها الغاية المرسومة المعلومة، حتى إذا بدأ سرد القصة كان فكر القارئ متنبها لمواطن العبرة فيها. وخذ مثالا على ذلك قصة موسى عليه السلام مع فرعون في سورة القصص، إذ استهلت بهذه الآيات: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ إِنَّهُ كانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4) وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ} [القصص: 4- 6]. 4- ذكر القصة مباشرة بلا مقدمة ولا تلخيص، ويكتفى بما في ثناياها من مفاجآت خاصة بها، وذلك مثل قصة مريم عند ولادتها عيسى عليهما السلام، وقصة سليمان عليه السلام مع بلقيس، وغيرهما من القصص. 5- العرض التمثيلي: وهو العرض الذي يقوم على إبراز المشاهد الرئيسية، والحلقات الأساسية من القصة، بشكل واضح وجلي أمام الناظر أو المتخيل، بينما يترك له بين كل مشهد وآخر من هذه المشاهد أو الحلقات فجوات يطوي فيها ما بين المشاهد من الروابط البدهية، ويفسح المجال للخيال حتى يملأها، ويستمتع بإقامة القنطرة بين المشهد السابق والمشهد اللاحق. وهذه الطريقة من العرض سمة بارزة في القصص القرآني، إذ من شأنها أن تعطي القيمة الفنية للقصة، وتضفي عليها الحيوية وتبعث فيها الحياة، بينما تقل هذه القيمة وتضعف أكثر فأكثر كلما شغل الذهن بعرض تلك الروابط البدهية، وذكر تلك التفصيلات التي غالبا ما تمل النفوس سماع الحديث عنها. ومن أمثلة هذه الخاصة الهامة: 1- قصة نوح التي وردت في سورة هود- عليهما السلام- بقوله تعالى: {وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ (36) وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (37) وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ} [هود: 36- 38]. فالقصة تضع أمامنا مشهد نوح عليه السلام وهو يتلقى الوحي الإلهي الذي يفقده الأمل من إيمان قومه، ويخبره بحلول العقاب فيهم، ويأمره بصنع السفينة التي ستكون سبب نجاته ومن معه من المؤمنين، ثم يسدل الستار ليرتفع ثانية عن مشهد نوح عليه السلام وهو يقوم بصنع السفينة، مقبلا على ذلك بكليته، تنفيذا لأمر الله عزّ وجلّ، بينما قومه الهلكى من حوله يهزءون ويسخرون. والفجوة التي تركها العرض بين المشهدين ليملأها الخيال: هي تلك الأحداث التي لابد منها، من العزم على الصنع، وإحضار المواد الأولية، وإنما طويت حتى لا تفسد بذكرها العرض الفني للقصة. 2- قصة مريم عليها السلام: التي تضعنا أمام مشهد يصور لنا تلك العذراء البتول، وقد أتاها الروح القدس في هيئة إنسان ليقول لها: {إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا} وتجيبه مستغربة دهشة: {قالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا} فيخبرها بأنه فعل الذي لا يعجزه شيء، ويطلعها على الحكمة من ذلك: {قالَ كَذلِكِ قالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا}. ثم يسدل الستار ليرتفع عن مشهد هذه العذراء وقد أثقلها حملها، فتنحت جانبا من القوم وهي قلقة خائفة، وإذا بالمخاض يلجئها إلى جذع نخلة تستقر تحتها لتلد النور والهداية لتلك البشرية الضائعة في ذلك الجيل: {فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكاناً قَصِيًّا (22) فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ قالَتْ يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا} [مريم: 22- 23]. ويلاحظ بين المشهدين فجوة فنية كبرى، تترك للخيال أن يتصورها كما يشاء له التصور. .الفصل الثّاني الأمثال في القرآن: .تمهيد: .1- تعريف المثل: والمثل في القرآن الكريم: هو إبراز المعنى في صورة رائعة موجزة لها وقعها في النفس، سواء كانت تشبيها أو قولا مرسلا. ومثال التشبيه الصريح- الذي ذكر فيه الممثل له- قوله تعالى: {إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ} [يونس: 24]. ومثال التشبيه الضمني- الذي حذف فيه الممثل له- قوله تعالى: {وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ} [الحجرات: 12].
|