الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الخِطط المقريزية المسمى بـ «المواعظ والاعتبار بذكر الخِطط والآثار» **
: أنشأه الملك الناصر محمدبن قلاون في سنة سبع وثلاثين وسبعمائة بسبب أنّ أقليم الشرقية كانت له سدود كلها موقوفة على فتح بحر أبي المنجا وفي بعض السنين تشرّق ناحية شيبين وناحية مرصفا وغير ذلك من النواحي التي أراضيها عالية فشكا الأمير بشتاك من تشريق بعض بلاده التي في تلك النواحي فركب السلطان من قلعة الجبل ومعه المهندسون وخوله البلاد وكانت له معرفة بأمور العمائر وحدسٌ جيد ونظر سعيد ورأي مصيب فسار لكشف تلك النواحي حتى اتفق الرأي على عمل الجسر من عند شيبين القصر إلى بنها العسل فوقع الشروع في عمله وجمع له من رجال البلاد اثني عشر ألف رجل ومائتي قطعة جرّافة وأقام فيه القناطر فصار محبسًا لتلك البلاد وإذا فتح بحر أبي المنجا امتلأت الاملاق بالماء وأسند على هذا الجسر وفي أوّل سنة عمر هذا الجسر أبطل فتح بحر أبي المنجا تلك السنة فتح من جسر شيبين هذا وحصل هذا الجسر نفع كبير لبلاد العلو واستبحر منه عدّة بلاد وطيئة والعمل على هذا الجسر إلى يومنا هذا. والله أعلم. قال القضاعيّ: وأما الجسر فقال بعضهم رأيت في كتاب ذكر أنه خط أبي عبد الله بن فضالة صفة الجسر وتعطيله وإزالته وأنه لم يزل قائمًا إلى أن قد المأمون مصر وكان غريبًا ثم أحدث المأمون هذا الجسر الموجود اليوم الذي تمرّ عليه المارّة وترجع من الجسر القديم فبعد أن خرج المأمون عن البلد أتت ريح عاصفة فقطعت الجسر الغربيّ فصدمت سفنه الجسر المحدث فذهبا جميعًا فبطل الجسر القديم وأثبت الجديد ومعالم الجسر القديم معروفة إلى هذه الغاية. وقال ابن زولاق في كتاب إتمام أمراء مصر: ولعشر خلون من شعبان سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة سارت العساكر لقتل القائد جوهر ونزلوا الجزيرة بالرجال والسلاح والعدّة وضبطوا الجسرين وذكر ما كان منهم إلى أن قال في عبور جوهر: أقبلت العساكر فعبرت الجسر أفواجًا أفواجًا وأقبل جوهر في فرسانه إلى المناخ موضع القاهرة. وقال في كتاب سيرة المعز لدين الله: وفي مستهلّ رجب سنة أربع وستين وثلاثمائة صلح جسر الفسطاط ومنع الناس من ركوبه وكان قد أقام سنين معطلًا. وقال ابن سعيد في كتاب المغرب: وذكر ابن حوقل الجسر الذي يكون ممتدًّا من الفسطاط إلى الجزيرة وهو غير طويل ومن الجانب الآخر إلى البرّ الغربيّ المعروف ببرّ الجيزة جسر آخر من الجزيرة إليه وأكثر جواز الناس بأنفسهم ودوابهم في المراكب لأنّ هذين الجسرين قد احترما بحصولهما في حيز قلعة السلطان ولا يجوز أحد على الجسر الذي بين الفسطاط والجزيرة راكبًا احترامًا لموضع السلطان يعني الملك الصالح نجم الدين أيوب وكان رأس هذا الجسر الذي ذكره ابن سعيد حيث المدرسة الخرّوبية من إنشاء البدر أحمد بن محمد الخرّوبيّ التاجر على ساحل مصر قبليّ خط دار النحاس وما برح هذا الجسر إلى أن خرّب الملك المعز ايبك التركمانيّ قلعة الروضة بعد سنة ثمان وأربعين وستمائة فأهمل. ثم عمره الملك الظاهر ركن الدين بيبرس على المراكب وعمله من ساحل مصر إلى الروضة ومن الروضة إلى الجيزة لأجل عبور العسكر عليه لما بلغه حركة الفرنج فعمل ذلك. الجسر من قليوب إلى دمياط: هذا الجسر أنشأه السلطان الملك المظفر ركن الدين بيبرس المنصوريّ المعروف بالجاشنكير في أخريات سنة ثمان وسبعمائة وكان من خبره: أنه ورد القصاد بموافقة صاحب قبرس عدّة من ملوك الفرنج على غزو دمياط وأنهم أخذوا ستين قطعة فاجتمع الأمراء واتفقوا على إنشاء جسر من القاهرة إلى دمياط خوفًا من حركة الفرنج في أيام النيل فيتعذر الوصول إلى دمياط وعين لعمل ذلك الأمير أقوش الورميّ الحساميّ وكتب الأمراء إلى بلادهم بخروج الرجال والأبقار ورسم للولاة بمساعدة أقوش وأن يخرج كلّ وال إلى العمل برجال عمله وأبقارهم فما وصل أقوش إلى ناحية فارسكور حتى وجد ولاة الأعمال قد حضروا بالرجال والأبقار فرتب الأمور. فعمل فيه ثلاثمائة جرّافة بستمائة رأس بقر وثلاثين ألف رجل وأقام أقوش الحرمة وكان عبوسًا قليل الكلام مهابًا إلى الغاية فجدّ الناس في العمل لكثرة من ضربه بالمقارع أو خزم أنفه أو قطع أذنه أو أخرق به إلى أن فرغ في نحو شهر واحد فجاء من قليوب إلى دمياط مسافة يومين في عرض أربع قصبات من أعلاه وست قصبات من أسفله ومشى عليه ستة رؤوس من الخيل صفًا واحدًا فعمّ النفع به وسلك عليه المسافرون بعدما كان يتعذر السلوك أيام النيل لعموم الماء الأراضي. والله تعالى أعلم. قد وجد بخط المصنف رحمه الله في أصله هنا ما صورته أمراء الغرب ببيروت بيت حشمة ومكارم ومقامهم بجبال الغرب من بلاد بيروت ولهم خدم على الناس وتفضيل وهم ينسبون إلى الحسين بن إسحاق بن محمد التنوخيّ الذي مدحه أبو الطيب المتنبي بقوله: سدوا بابن إسحاق الحسينِ فصافحت وقاربها كيزانها والنمَّارق ثم كان كرامة بن بجير بن عليّ بن إبراهيم بن الحسين بن إسحاق بن محمد بالتنوخيّ فهاجر إلى الملك العادل نور الدين الشهيد محمود بن زنكي فأقطعه الغرب وما معه بأمرته فسمِّيَ أمير الغرب وكان منشوره بخط العماد الأصفهانيّ الكاتب فتحضر الأمير كرامة بعد البداوة وسكن حصر بلجمور من نواحي إقطاعه ويعلو على تل أعمال بغير بناء ثم أنشأ أولاده هناك حصنًا وما زالوا به وكان كرامة ثقيلًا على صاحب بيروت وذلك أيام الفرنج فأراد أخذه مرارًا فلم يجد إليه سبيلًا فأخذ في الحيلة عليه وهادن أولاده وسألهم حتى نزلوا إلى الساحل وألفوا الصيد بالطير وغيره فراسلهم حتى صار يصطاد معهم وأكرمهم وحباهم وكساهم وما زال يستدرجهم مرّ بعد مرّة ثم أخرج ابنه معه وهو شاب وقال: قد عزمت على زواجه ثم دعا ملوك الساحل وأولاد كرامة الثلاثة فأتوه وتأخر أصغر أولاد كرامة مع أمّه بالحصن في عدّة قليلة فامتلأ الساحل بالشواني والمدينة بالفرنج وتلقوهم بالشمع والأغاني فلما صاروا في القلعة وجلسوا مع الملوك غدر بهم وأمسكهم وأمسك غلمانهم وغرّقهم وركب بجموعه ليلًا إلى الحصن فأجفل الفلاحون والحريم والصبيان إلى الجبال والشعر والكوف وبلغ من بالحصن أن أولاد كرامة الثلاثة قد غرقوا ففتحوه وخرجت أمّهم ومعها ابنها حجي بن كرامة وعمره سبع سنين ولم يبق من بينهم سواه فأدرك السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب وتوجه إليه لما فتح صيدا وبيروت وباس رجله في ركابه فلمس بيده رأسه وقال له: أخذنا نارك طيّب قلبك أنت مكان أبيك. وأمر له بكتابة أملاك أبيه بستين فارسًا. فلما كانت أيام المنصور قلاون ذكر أولاد تغب بن مسعر الشجاعيّ أن بيد الخليقة أملًا كاعظيمة بغير استحقاق ومن جملتهم أمراء الغرب فحملوا إلى مصرن ورسم السلطان باقطاع أملاك الجبلية مع بلاد طرابلس لأمرائها وجندها فاقطعت لعشرين فارسًا من طرابلسن فلما كانت أيام الأشرف خليل بن قلاون قدموا مصر وسألوا أن يخدموا على أملاكهم بالعدّة فرسم لهم وأن يزيدوها عشرة أرماح فلما كان الروك الناصريّ ونيابة الأمير تنكر بالشام وولاية علاء الدين بن سعيد كشف تلك الجهات رسم السلطان الملك الناصر محمد بن قلاون أن يستمرّ عليها بستين فارسًا فاستمرّت على ذلك. ثم كان منهم الأمير ناصر الدين الحسين بن خضر بن محمد بن حجي بن كرامة بن بجير بن عليّ المعروف بابن أمير الغرب فكثرت مكارمه وإحسانه وخدمته كلّ من يتوجه إلى تلك الناحية وكانت إقامته بقرية أعبية بالجبل وله دار حسنة في بيروت واتصلت خدمته إلى كل غاد ورائح وباد الأكابر والأعيان مع رياسة كبيرة ومعرفة عدّة صنائع يتقنها وكتابة جيدة وترسل عدّة قصائد ومولده في محرّم سنة ثمان وستين وستمائة وتوفي للنصف من شوال سنة إحدى وخمسين وسبعمائة انتهى. ووجد بخطه أيضًا من أخبار اليمن ما مثاله: كان ابتداء دولة بني زياد أن محمد بن إبراهيم بن عبد الله بن زياد سلمه المأمون مع عدّة من بني أمية إلى الفضل بن سهل بن ذي الرياستين فورد على المأمون اختلال اليمن فثنى الفضل على محمد هذا فبعثه المأمون أميرًا على اليمن فحج ومضى إلى اليمن ونتج بها من بعد محاربته العرب وملك اليمن وبنى مدينة زبيد في سنة ثلاث ومائتين وبعث مولاه جعفرًا بهدية جليلة إلى المأمون في سنة خمس وعاد إليه في سنة ست ومعه من جهة المأمون ألفا فارس فقوي ابن زياد وملك جميع اليمن وقلد جعفر الجبال وبنى بها مدينة الدمجرة فطهرت كفاءة جعفر لكثرة دهائه فقتله ابن زياد ثم مات محمد بن زياد فملك بعده ابنه إبراهيم ثم ملك بعده ابنه أبو الجيش إسحاق بن إبراهيم وطالت مدّته ومات سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة وترك طفلًا اسمه زياد فأقيم بعده وكفلته أخته هند ابنة إسحاق وتولى معها رشد عبد أبي الجيش حتى مات فولى بعد رشد عبده حسين بن سلامة وكان عفيفًا فوزر لهند ولأخيها حتى ماتا ثم انتقل المُلك إلى طفل من آل زياد وقام بأمره عمته وعبد الحسين بن سلامة اسمه مرجان وكان لمرجان عبدان قد تغلبا على أمره يقال لأحدهما قس وللآخر نجاح فتنافسا على الوزارة وكان قيس عسوفًا ونجاح رقيقًا وكان مرجان سيدهما يميل إلى قيس وعمة الطفل تميل إلى نجاح فشكا قيس ذلك إلى مرجان فقبض على الملك الطفل إبراهيم وعلى عمته تملك فبنى قيس عليهما جدارًا فكان إبراهيم آخر ملوك اليمن من آل زياد وكان القبض عليه وعلى عمته سنة سبع وأربعمائة فكانت مدّة بني زياد مائتي سنة وأربعًا وستين سنة فعظم قتل إبراهيم وعمته تملك على نجاح وجمع الناس وحارب قيسًا بزبيد حتى قتل قيس وملك نجاح المدينة في ذي القعدة سنة اثنتي عشرة وقال لسيده مرجان: ما فعلت بمواليك وموالينا فقال: هم في ذلك الجدار فأخرجهما وصلى عليهما ودفنهما وبنى عليهما مسجدًا وجعل سيده مرجان موضعهما في الجدار ووضع معه جثة قيس وبنى عليهما الجدار واستبدّ نجاح بمملكة اليمن وركب بالمظلة وضربت السكة باسمه ونجاح مولى مرجان ومرجان مولى حسين بن سلامة وحسين مولى رشد ورشد مولى بني زياد ولم يزل نجاح ملكًا حتى مات سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة سمته جارية أهداها إليه الصليحيّ وترك من الأولاد عدّة. فملك منهم سعيد الأحوال وإخوته عدّة سنين حتى استولى عليهم الصليحيّ فهربوا إلى دهلك ثم قدم منهم جياش بن نجاح إلى زبيد متنكرًا وأخذ منها وديعة وعاد إلى دهلك فقدمها أخوه سعيد الأحوق بعد ذلك واختفى بها واستدعى أخاه جياشًا وسارا في سبعين رجلًا يوم التاسع من ذي القعدة سنة ثلاث وسبعين وقصدوا الصليحيّ وقد سار إلى الحج فوافوه عند بئر أمّ معبد وقتله في ثاني عشري ذي القعدة المذكور وقتل معه ابنه عبد الله واحتز سعيد رأسيهما واحتاط على امرأته أسماء بنت شهاب وعاد إلى زبيد ومعه أخوه جياش والرأسان بين أيديهما على هودج أسماء وملك اليمن فجمع المكرم ابن أسماء في سنة خمس وسبعين وسار من الجبال إلى زبيد وقاتل سعيدًا ففرّ سعيد وملك المكرم واسمه أحمد وأنزل رأس الصليحيّ وأخيه ودفنهما وولي زبيد خاله أسعد بن شهاب وماتت أسماء أمّه بعد ذلك في صنعاء سنة سبع وسبعين. ثم عاد ابنا نجاح إلى زبيد وملكاها في سنة تسع وسبعين ففرّ اسعد بن شهاب ثم غلبهما أحمد المكرم بن عليّ الصليحيّ وقتل سعيد بن نجاح في سنة إحدى وثمانين وفرّ أخوه جياش إلى الهند ثم عاد وملك زبيد في سنة إحدى وثمانين المذكورة فولدت له جاريته الهندية ابنه الفاتك بن جياش وبقي المكرم في الجبال يغير على بلاد جياش وجياش يملك تهامة حتى مات آخر سنة ثمان وتسعين فملك بعده ابنه فاتك وخالف عليه أخوه إبراهيم ومات فاتك سنة ثلاث وخمسمائة فملك بعده أبنه منصور بن فاتك وهو صغير فثار عليه عمه إبراهيم فلم يظفر وثار بزبيد عبد الواحد بن جياش وملكها فسار إليه عبد فاتك واستعادها ثم مات منصور وملك بعده ابنه فاتك بن منصور ثم ملك بعده ابن عمه فاتك بن محمد بن فاتك بن جياش في سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة حتى قتل سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة وهو آخر ملوك بني نجاح فتغلب على اليمن عليّ بن مهديّ في سنة أربع وخمسين. وأما الصليحيّ: فإنه عليّ بن القاضي محمد بن علي كان أبوه في طاعته أربعون ألفًا فأخذ ابنه التشيع عن عامر بن عبد الله الرواحيّ أحد دعاة المستضيء وصحبه حتى مات وقد أسند إليه أمر الدعوة فقام بها وصار دليلًا لحاج اليمن عدّة سنين ثم ترك الدلالة في سنة تسع وعشرين وأربعمائة وصعد رأس جبل مسار في ستين رجلًا وجمع حتى ملك اليمن في سنة خمس وخمسين وأقام على زبيد أسعد بن شهاب بن عليّ الصليحيّ وهو أخو زوجته وابن عمه ثم أنه حج فقتله بنو نجاح في ذي القعدة سنة ثلاث وسبعين واستقرّت التهائم لبني نجاح واستقرّت صنعاء لأحمد بن عليّ الصليحيّ المقتول وتلقب بالملك المكرم. ثم جمع وقصد سعيد بن نجاح بزبيد وقاتله وهزمه إلى دهلك وملك زبيد في سنة خمس وسبعين فعاد سعيد وملك زبيد في سنة تسع وسبعين فأتاه المكرم فقتله في سنة إحدى وثمانين فملك جياش أخو سعيد ومات المكرم بصنعاء سنة أربعة وثمانين فملك بعده أبو حمير سبأ بن أحمد المظفر بن عليّ الصليحيّ في سنة أربع وثمانين حتى مات سنة خمس وتسعين وهو آخر الصليحيين فملك بعده عليّ بن إبراهيم بن نجيب الدولة فقدم من مصر إلى جبال اليمن في سنة ثلاث عشرة وخمسمائة وقام بأمر الدعوة والمملكة التي كانت بيد سبأ ثم قبض عليه بأمر الخليفة الآمر بأحكام الله الفاطميّ بعد سنة عشرين وخمسمائة وانتقل الملك والدعوة إلى الزريع بن عباس بن المكرم وآل الزريع من آل عدن وهم من حمدان ثم من جشم وبنوا المكرم يُعرفون بآل الذنب. وكانت عدن للزريع بن عباس وأحمد بن مسعود بن المكرم فقتلا على زبيد وولي بعدهما ولداهما أبو السعود بن زريع وأبو الغارات بن مسعود ثم استولى على الملك والدعوة سبأ بن أبي السعود بن زريع حتى مات سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة فولي بعده ولده الأعز عليّ بن سبأ وكان مقامه بالرمادة فمات بالسل وملك أخوه المعظم محمد في سنة ثمان وثلاثين. وولي من الصليحيين أيضًا المملكة السيدة سنة بنت أحمد بن جعفر بن موسى الصليحيّ زوجة أحمد المكرم ولقبت بالحرّز ومولدها سنة أربعين وأربعمائة وربتها أسماء بنت شهاب وتزوّجها الملك المكرم أحمد بن أسماء وهو ابن علي الصليحيّ سنة إحدى وستين وولاه الأمر فيحياته فقامت بتدبير المملكة والحروب وأقبل زوجها على لذاته حتى مات وتولى ابن عمه سبأ فاستمرّت في الملك حتى مات سبأ وتولى ابن نجيب الدولة حتى ماتت سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة وشاركه في الملك المفضل أبو البركات بن الوليد الحميريّ وكان يحكم بين يدي الملكة الحرّة وهي وراء الحجاب ومات المفضل في رمضان سنة أربع وثلاثين وخمسمائة وملك بلاده ابنه الملك المنصور ومنصور بن المفضل حتى ابتاع منه محمد بن سبأ بن أبي السعود معاقل الصليحيين وعدّتها ثمانية وعشرون حصنًا بمائة ألف دينار في سنة سبع وأربعين وخمسمائة وبقي المنصور بعد حتى مات بعدما ملك نحو ثمانين سنة. وأما عليّ بن مهديّ: فإنه حميريٌّ من سواحل زبيد كان أبوه مهديّ رجلًا صالحًا ونشأ ابنه على طريقة حسنة وحج ووعظ وكان فصيحًا حسن الصوت عالمًا بالتفسير وغيره يتحدّث بالمغيبات فتكون كما يقول وله عدّة أتباع كثيرة وجموع عديدة ثم قصد الجبال وأقام بها إلى سنة إحدى وأربعين وخمسمائة ثم عاد إلى أملاكه ووعظ ثم عاد إلى الجبال ودعا إلى نفسه فأجابه بطن من خولان فسماهم الأنصاري وسُمّي من صعد معه من تهامة المهاجرين وولّى على خولان سبأ وعلى المهاجرين رجلًا آخر وسمّي كلًا منهما شيخ الإسلام وجعلهما نقيبين على طائفتيهما فلا يخاطبه أحد غيرهما وهما يوصلانا كلامه إلى من تحت أيديهما وأخذ يغادي الغارات ويراوحها على التهائم حتى أجلى البوادي ثم حاصر زبيد حتى قتل فاتك بن محمد آخر ملوك بني نجاح فحارب ابن مهديّ عبد فاتك حتى غلبهم وملك زبيد يوم الجمعة رابع عشر رجب سنة أربع وخمسين وخمسمائة فبقي على الملك شهرين وأحدًا وعشرين يومًا ومات. فملك بعده ابنه مهديّ ثم عبد الغنيّ بن مهديّ وخرجت المملكة عن عبد الغنيّ إلى أخيه عبد الله ثم عادت إلى عبد الغنيّ واستقرّ حتى سار إليه توران شاه بن أيوب من مصر في سنة تسع وستين وخمسمائة وفتح اليمن وأسر عبد الغنيّ وهو آخر ملوك بني مهديّ يكفر بالمعاصي ويقتل من يخالف إعتقاده ويستبيح وطء نسائهم واسترقاق أولادهم وكان حنفي الفروع ولأصحابه فيه غلوّ زائد ومن مذهبه قتل من شرب الخمر ومن سمع الغناء. ثم ملك توران شاه بن أيوب عدن من ياسر وملك بلاد اليمن كلها واستقرّت في ملك السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب وعاد شمس الدولة توازن شاه بن أيوب إلى مصر في شعبان سنة ست وسبعين واستخلف على عدم عز الدين عثمان بن الزنجيلي وعلى زبيد حطان بن كليل بن منقد الكافي فمات شمس الدولة بالإسكندرية فاختلف نوّابه فبعث السلطان صلاح الدين يوسف جيشًا فاستولى على اليمن ثم بعث في سنة ثمان وسبعين أخاه سيف الإسلام ظهير الدين طفتكين بن أيوب فقدم إليها وقبض على حطان بن كليل بن منقد وأخذ أمواله وفيها سبعون غلاف زردية مملوءة ذهبًا عينًا وسجنه فكان آخر العهد به ونجا عثمان بن الزنجيليّ بأمواله إلى الشام فظفر بها سيف الإسلام وصفت له مملكة اليمن حتى مات بها في شوال سنة ثلاث وتسعين. فأقيم بعده ابنه الملك المعز اسماعيل بن طفتكين بن أيوب فجعظ وادّعى أنه أمويّ وخطب لنفسه بالخلافة وعمل طول كمه عشرين ذراعًا فثار عليه مماليكه وقتلوه في سنة تسع وتسعين وأقاموا بعده أخاه الناصر ومات بعد أربع سنين فقام من بعده زوج أمّه غازي بن حزيل أحد الأمراء فقتله جماعة من العرب وبقي اليمن بغير سلطان فتغلبت أمّ الناصر على زبيد فقدم سليمان بن سعد الدين شاهنشاه بن أيوب إلى اليمن فعبر يحمل ركوته على كتفه فملكته أم الناصر البلاد وتزوّجت به فاشتدّ ظلمه وعتوّه إلى أن قدم الملك المسعود أقسيس بن الملك الكامل محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب من مصر في سنة اثنتي عشرة وستمائة فقبض عليه وحمله إلى مصر فأجرى له الكامل ما يقوم بهّ من مصر في سنة اثنتي عشرة وستمائة فقبض عليه وحمله إلى مصر فأجرى له الكامل ما يقوم به إلى أن استشهد على المنصورة سنة سبع وأربعين وستمائة وأقام المسعود باليمن وحج ملك مكة أيضًا في شهر ربيع الأوّل سنة عشرين وستمائة وعاد إلى اليمن ثم خرج عنها واستخلف عليها استاداره عليّ بن رسول فمات بمكة سنة ست وعشرين فقام عليّ بن رسول على ملك اليمن حتى مات في سنة تسع وعشرين واستقرّ عوضه ابنه عمر بن عليّ بن رسول وتلقب بالمنصور حتى قتل سنة ثمان وأربعين واستقرّ بعده ابنه المظفر يوسف بن عمر بن عليّ بن رسول وصفًا له اليمن وطالت أيامه انتهى ما ذكره المصنف بخطه في تاريخه عفا الله عنه وأرضاه وجعل الجنة مقرّة ومثواه. ووجد بخطه أيضًا ما مثاله: السلطان محمد بن طغلق شاه وطغلق يلقب غياث الدين وهو مملوك السلطان علاء الدين محمود بن شهاب الدين مسعود ملك الهند مقرّ ملكه مدينة دهلي وجميع البلاد برًّا وبحرًا بيده إلاّ الجزائر المغلغلة في البحر وأما الساحل فلم يبق منه قيد شبر إلا وهو بيده وأوّل ما فتح مملكة تكنك عدّة قراها مائة ألف قرية وتسعمائة قرية فتح بلاد حاجنكيز وبها سبعون مدينة جليلة كلها بنادر على البحر فتح بلاد لنكوتي وهي كرسيّ تسعة ملوك ثم فتح بلا دواكير وبها أربع وثمانون قلعة كلها جليلات المقدار وبها ألف ألف قرية ومائتا ألف قرية ثم فتح بلاد ورسمند وكان بها ستة ملوك ثم فتح بلاد المعبر وهم أقليم جليل له سبعون مدينة بنادر على البحر وجملة ما بيده ثلاثة وعشرون إقليمًا وهي: أقليم دهلي وأقليم الدواكير وإقليم الملثان وإقليم كهران وإقليم سامان وإقليم سوستان وإقليم وجا وإقليم هاسي وإقليم سرسيني وإقليم المعبر وإقليم تكنك كحرات وإقليم بدوان وإقليم عوض وإقليم التيوج وإقليم لنكوتي وإقليم بهار وإقليم كره وإقليم ملاوه وإقليم بهادر وإقليم كلافور وإقليم حاجنكيز وإقليم ورسمند. وهذه الأقاليم تشتمل على ألف مدينة ومائتي مدينة دهلي دور عمراها أربعون ميلا وجملة ما يُطلق عليه اسم دهلي إحدى وعشرون مدينة وفي دهلي ألف مدرسة كلها للحنفية إلاّ واحدة فإنها للشافعية ونحو سبعين مارستان وفي بلادها من الخوانك والربط نحو ألفين وبها جامع ارتفاع مئذنته ستمائة ذراع في الهواء وللسلطان خدمة مرّتين في كلّ يوم بكرة وبعد العصر ورتب الأمراء على هذه الأنواع أعلاهم قدرا الخانات ثم الملوك ثم الأمراء ثم الأسفهسلارية ثم اجلند وفي خدمته ثمانون خانًا وعسكره تسعمائة ألف فارس وله ثلاثة آلاف فيل تلبس في الحروب البرك اصطونات الحديد المذهب وتلبس في أيام السلم جلال الديباج وأنواع الحرير وتزين بالقصور والأسرّة المصفحة ويشدّ عليها بروج الخشب يركب فيها الرجال للحرب فيكون على الفيل من عشرة رجال إلى ستة وله عشرون ألف مملوك أتراك وعشرة آلاف خادم خصيّ وألف خازندار وألف مشبقدار ومائتا ألف عبد ركابية تلبس السلاح وتمشي بركابه وتقاتل رجالة بين يديه والاسفهسلارية لا يؤهل منهم أحد لقرب السلطان وإنما يكون منهم نوع الولاة والخان يكون له عشرة آلاف فارس وللملك ألف وللأمير مائة فارس وللاسفسلار دون ذلك ولكلّ خان عبرة لكِّين كلّ لكٍ مائة ألف تنكة كلّ تنكة ثمانية دراهم ولكلّ ملك من ستين ألف تنكة إلى خمسين ألف تنكة ولكل أمير من أربعين ألف تنكة إلى ثلاثين ألف تنكة ولكلّ اسفهسلار من عشرين ألف تنكة إلى ما حولها ولكلّ جنديّ من عشرة آلاف تنكة إلى ألف تنكة ولكلّ مملوك من خمسة آلاف تنكة إلى ألف تنكة سوى طعامهم وكساويهم وعليهم ولكلّ عبد في الشهر منان من الحنطة والأرز في كل يوم ثلاثة أستار لحم وما يحتاج إليه وفي كلّ شهر عشر تنكات بيضاء وفي كلّ سنة أربع كساو. وللسلطان دار طراز فيها أربعة آلاف قزّاز لعمل أنواع القماش سوى ما يُحمل له من الصين والعراق والإسكندرية ويُفرّق كلّ سنة مائتين ألف كسوة كاملة في فصل الربيع مائة ألف وفي فصل الخريف مائة ألف ففي الربيع غالب الكسوة من عمل الإسكندرية وفي الخريف كلها حرير من عمل دار الطراز بدهلي وقماش الصين والعراق ويفرّق على الخوانك والربط الكساوي وله أربعة آلاف زركشيّ تعمل الزركش ويفرّق كلّ سنة عشر آلاف فرس مسرجة وغير مسرجة سوى ما يُعطي الأجناد من البراذين فإنه بلا حساب يعطي جشارات ومع هذا فالخيل عنده غالية مطلوبة وللسلطان نائب من الخانات يُسمى ابريت اقطاعه قدر إقليم بحر العراق ووزير إقطاعه كذلك وله أربعة نوّاب مسمى كلّ واحد منهم ثلاثمائة كاتب ولكل كاتب إقليم عشرة آلاف تنكة ولصدر جهان وهو قاضي القضاة قرى يتحصل منهانحو ستين ألف تنكة ولصدر الإسلام وهو أكبر نوّاب القاضي ولشيخ الإسلام وهو شيخ الشيوخ مثل ذلك وللمحتسب ثمانية آلاف تنكة وله ألف طبيب ومائتا طبيب وعشرة آلاف بزدار تركب الخيل وتحمل طيور الصيد وله ثلاثة آلاف سوّاق لتحصيل الصيد وخمسمائة نديم وألفان ومائتان للملاهي سوى مماليكه وهم ألف مملوك وألف شاعر باللغات العربية والفارسية والهندية يجري عليهم ديوانه ومتى غنى أحد منهم لغيره قتله ولكلّ نديم قريتان أو قرية ومن أربعين ألف تنكة إلى ثلاثين ألف تنكة إلى عشرين ألف تنكة سوى الخلع والكساوي والافتقادات ويمدّ في وقت كلّ خدمة في المرتين من كلّ يوم سماط يأكل منه عشرون ألفًا مثل الخانات والملوك والأمراء والاسفهسلارية وأعيان الأجناد وله طعام خاص يأكل معه الفقهاء وعدّتهم مائتا فقيه في الغداء والعشاء فيأكلون ويتباحثون ين يديه ويُذبح في مطابخه كلّ يوم الفان وخمسمائة رأس من البقر وألفا رأس من الغنم سوى الخيل وأنواع الطير ولا يحضر مجلسه من الجند إلاّ الأعيان ومن دعته ضرورة إلى الحضور والندماء وأرباب الأغاني يحضرون بالنوبة وكذلك الربيسان والأطباء ونحوهم لكلّ طائفة نوبة تحضر فيها للخدمة والشعراء تحضر في العيدين والمواسم وأوّل شهر رمضان وإذا تجدّد نصر على عدوّ أو فتوح ونحو ذلك مما يُهنّى به السلطان. وأمور الجند والعامة ومرجعها إلى ابريت وأمر القضاة كلهم مرجعه إلى صدرجهان وأمر الفقهاء إلى شيخ الإسلام وأمر الواردين والوافدين والأدباء والشعراء إلى الربيسان وهم كتاب السرّ. وجهز هذا السلطان مرّة أحد كتاب سرّ إلى السلطان أبي سعيد رسولًا وبعث معه ألف ألف تنكة ليتصدّق بها في مشاهد العراق وخمسمائة فرس فقدم بغداد وقد مات أبو سعيد وكان هذا السلطان ترعد الفرائص لمهابته وتزلزل الأرض لموكبه يجلس بنفسه لإنصاف رعيته ولقراءة القصص عليه جلوسًا عامًّا ولا يدخل أحد عليه ومعه سلاح ولو السكين ويجلس وعنده سلاح كامل لا يفارق أبدًا وإذا ركب في الحرب فلا يمكن وصف هيبته وله أعلام سود في وساطها تباين من ذهب تسير عن يمينه وأعلام حمر فيها تبابين من ذهب تسير عن يساره ومعه مائتا جمل نقارات وأربعون جملًا كوسات كبارًا وعشرون بوقًا وعشرة صنوج ويدق له خمس نوب كلّ يوم وإذا خرج إلى الصيد كان في جف وعدّة من معه زيادة على مائة ألف فارس ومائتي فيل وأربعة قصور خشب على ثمانمائة جمل كلّ قصر منها على مائتي جمل كلها ملبسة حريرًا مذهبًا كلّ قصر طبقتان سوى الخيم والجركاوات وإذا انتقل من مكان إلى مكان للنزهة يكون معه نحو ثلاثين ألف فارس وألف جنيب مسرجة ملجمة بالذهب المرصع بالجوهر والياقوت وإذا خرج في قصره من موضع إلى آخر يمرّ راكبًا وعلى رأسه الحبر والسلاح دارية وراءه بأيديهم السلاح وحوله نحو اثنا عشر ألف مملوك مشاة لا يركب منهم إلاّ حامل الحبر والسلاح دارية والجمدارية حملة القماش وإذا خرج للحرب أو سفرٍ طويل حمل على رأسه سبع حبورة منها اثنان مرصعان ليس لهما قيمة وله فخامة عظيمة وقوانين وأوضاع جليلة والخانات والملوك والأمراء لا يركب أحد منهم في السفر والحضر إلاّ بالأعلام وأكثر ما يحمل الخان سبعة أعلام وأكثر ما يمل الأمير ثلاثة وأكثر ما يجرّه الخان في الحضر عشرة جنائب وأكثر ما يجر الأمير في الحضر جنيبان وأما في السفر فحسبما يختار. وكان للسلطان برّ وإحسان وفيه تواضع ولقد مات عنده رجل فقير فشهد جنازته وحمل نعشه على عنقه وكان يحفظ القرآن العزيز العظيم والهداية في فقه الحنفية ويجيد علم المعقول ويكتب خطًا حسنًا ولذته في الرياضة وتأديب النفس ويقول الشعر ويباحث العلماء ويأخذ بأطراف الكلام على كلّ من حضر على كثرة العلماء عنده والعلماء تحضر عند وتفطر في رمضان معه بتعيين صدرجهان لهم في كلّ ليلة وكان لا يترخص في محذور ولا يقرّ على منكر ولا يتجاسر أحد في بلاده أن يتظاهر بمحرّم وكان يشدّد في الخمر ويبالغ في العقوبة على من يتعاطاه من المقرّبين منه وعاقب بعض أكابر الخانات على شرب الخمر وقبض عليه وأخذ أمواله جملتها أربعمائة ألف ألف مثقال وسبعة وثلاثون ألف ألف مثقال ذهبًا أحمر زنتها ألف وسبعمائة قنطار بالمصريّ وله وجوه برّ كثيرة منها: أنه يتصدّق في كل يوم بلكَّين عنهما من نقد مصر ألف ألف وستمائة ألف درهم وربما بلغت صدقته في يوم واحد خمسين لِكًَّا ويتصدّق عند كلّ رؤية هلال شهر بلكين دائمًا وعليه راتب لأربعين ألف فقير كلّ واحد منهم درهم في كلّ يوم وخمسة أرطال برّ وأرز وقرّر ألف فقيه في مكاتب لتعليم الأطفال القرآن وأجرى عليهم الأرزاق وكان لا يدعي بدهلي سائلًا بل يجري على الجميع الأرزاق ويبالغ في الإحسان إلى الغرباء وقدم عليه رسول من أبي سعيد مرّة بالسلام والتودّد فخلع عليه وأعطاه حملًا من المال فلما أراد الانصراف أمره أن يدخل الخزانة ويأخذ ما يختار فلم يأخذ غير مصحف فسأله عن ذلك فقال: قد أغناني السلطان بفضله ولم أجد أشرف من كتاب الله فزاد إعجابه به وأعطاه مالًا جملته ثمانمائة تومان والتومان عشرة آلاف دينار وكلّ دينار ستة دراهم تكون جملة ذلك ثمانية آلاف ألف دينار عنها ثمانية وأربعون ألف أف درهم. وقصده شخص من بلاد فارس وقدّم له كتابًا في الحكمة منها كتاب الشفاء لابن سينا فأعطاه جوهرًا بعشرين ألف مثقال من الذهب وقصده آخر من بخارى بحملي بطيخ أسف فتلف غالبه حتى لم يبق منه إلا اثنتان وعشرون بطيخة فأعطاه ثلاثة آلاف مثقال ذهبًا وكان قد التزم أن لاينطق في إطلاقاته بأقل من ثلاث آلاف مثقال ذهبًا وبعث ثلاث لكوك ذهبًا لى بلاد ما وراء النهر ليفرّق على العلماء لِكٌّ وعلى الفقراء لِكٌّ ويبتاع له حوائج بلِكٍ وبعث للبرهان الضياء عزه جي شيخ سمقرند بأربعين ألف تنكة وكان لا يفارق العلماء سفرًا وحضرًا ومنار الشرع في أيامه قائم والجهاد مستمرّ فبلغ مبلغًا عظيمًا في إعلاء كلمة الإيمان فنشر الإسلام في تلك الأقطار وهدم بيوت النيران وكسر الندود والأصنام واتصل به الإسلام إلى أقصى الشرق وعمر الجوامع والمساجد وأبطل التثويب في الآذان ولم يخل له يوم من الأيام من بيع آلاف من الرقيق لكثرة السبي حتى أن الجارية لا يتعدّة ثمنها بمدينة دهلي ثمان تنكات والسرّية خمس عشرة تنكة والعبد المراهق أربعة دراهم ومع رخص قيمة الرقيق فإنه تبلغ قيمة الجارية الهندية عشرين ألف تنكة لحسنها ولطف خلقها وحفظها القرآن وكتابتها الخط وروايتها الأشعار والأخبار وجودة غنائها وضربها بالعود ولعبها بالشطرنج وهن يتفاخرن فتقول الواحدة آخذ قلب سيدي في ثلاثة أيام فتقول الأخرى أنا آخذ قلبه في يوم فتقول الأخرى أنا أخذ قلبه في ساعة فتقول الأخرى أنا آخذ قلبه في طرفة عين وكان ينعم على جميع من في خدمته من أرباب السيوف والأقلام بكلّ جليل من البلاد والأموال والجواهر والخيول المجللة بالذهب وغير ذلك إلاّ الفيلة فإنه لا يشاركه فيها أحد وللثلاثة آلاف فيل راتب عظيم فأكثرها مؤنة له في كلّ يوم أربعون رطلًا من أرز وستون رطلًا من شعير وعشرون رطلًا من سمن ونصف حمل من حشيش وقيّمها جليل القدر إقطاعه مثل إقليم العراق وإذا وقف السلطان للحرب كان أهل العلم حوله والرماة قدّامه وخلفه وأمامه الفيلة كما تقدّم عليها الفيالة وقدّامها العبيد المشاة والخيل في الميمنة والميسرة فتهيأ له من النصر ما لا يهيأ لأحد ممن تقدّمه ففتح الممالك وهدم قواعد الكفار ومحا صورمعابدهم وأبطل فخرهم وكان يجلس كلّ يوم ثلاثاء جلوسًا عامًّا على تخت مصفح بالذهب وعلى رأسه حبر في موكب عظيم وينادي مناديه من له شكوى في شخص فينظر في ظلامات الناس وكان لا يوجد بدهلي في أيامه خمر البتة. وأوّل من ملك مدينةن دهلي قطب الدين أيبك وذلك أن شهاب الدين محمد بن سالم بن الحسين أحد الملوك الغورية فتح الهند بعد عدّة حروب وأقطع مملوكه أيبك هذا مدينة دهلي فبعث أيبك عسكرًا عليه محمد بن بختاير فأخذ إلى تخوم الصين وذلك كله في سنة سبع وأربعين وخمسمائة ثم ولي بعده ايتمش بن أيبك أربعين سنة فقام بعده ابنه علاء الدين عليّ بن ايتمش بن أيبك ثم أخوه معز الدين بن أيتمش ثم أخته رضية خاتون فأقامت ثلاث سنين ثم أخوها ناصر الدين بن ايتمش فأقام أربعًا وعشرين سنة ثم قام بعده مملوكه غياث الدين بليان سبعًا وعشرين سنة ثم بعده معز الدين نيابًا خمس سنين ثم ابنه شمس الدين كيمورس سبعة أشهر ثم خرج الملك عن بيت السلطان شمس الدين أيتمش وقويت التركمان العلجية وكانوا أمراء يقال للواحد منهم خان واستبدّ كبيرهم جلال الدين فيروز سبع سنين ثم ابن أخيه علاء الدين محمود بن شهاب مسعود اثنتين وعشرين سنة ومات سنة خمس عشرة وسبعمائة ثم ابنه شهاب الدين عمرو بن محمود بن مسعود سنة واحدة ولقب غياث الدين ثم أخوه قطب الدين مبارك بن محمود أربع سنين وقتل سنة عشرين وسبعمائة ثم علاء الدين خسر ومملوك علاء الدين محمود سبعة أشهر وملك غياث الدين طغلق شاه مملوك السلطان علاء الدين محمود بن مسود في أوّل شعبان سنة عشرين وسبعمائة ثم ملك بعده ابنه محمد بن طغلق شاه صاحب الترجمة. هذا آخر ما وجد بخطه رحمه الله تعالى. مشت ايامكم لا بَلْ نراها جرت جريًا على غير اعتيادِ وما عُقدتْ نواصيها بحيرِ ولا كانت تُعدُّ من الجيادِ بخشان: مدينة فيما وراء النهر بها معدن اللعل البدخشانيّ وهو المسمة بالبلخش وبها معدن اللازورد الفائق وهما في جبل بها يحفر عليهما في معادنهما فيوجد اللازورد بسهولة ولا يوجد اللعل إلا بتعب كبير وإنفاق زائد وقد لا يوجد بعد التعب الشديد والنفقة الكثيرة ولهذا عز وجوده وغلت قيمته. وأقصر ليل بلغار بالبحرين أربع ساعات ونصف وأقصر ليلٍ أفتكون ثلاث ساعات ونصف فهو أقصر من ليل بلغار بساعة واحدة وبين بلغار وأفتكون مسافة عشرين يومًا بالمسير المعتاد. انتهى. السلطانية من عراق العجم بناها السلطان محمد خدابنده أوكانيق بن أرغون بن ابغا بن هولاكو وخدابنده ملك بعد أخيه محمود غازان وملك بعد خدابنده ابنه السلطان أبو سعيد بهادرخان وكان الشيخ حسن بن حسين بن أقبغا مع قائد السلطان محمد بن طشتمر بن استيمر بن عترجي ومذ مات أبو سعيد لم يجمع بعده على طاعة ملك بل تفرّقوا وقام في كلّ ناحية قائم. انتهى. إذا كنتَ قد أيقنتَ أنكَ هالكٌ فمالك مما دون ذلكَ تُشفقِ ومما يشينُ المرءُ ذا الحلم أنّه يرى الأمر حتمًا واقعًا ثم يقلقِ وحيث يقول: ومن طوى الخمسينَ من عمرِهِ لاقى أمورًا فيه مستنكرة وإن تخطاها رأى بعدها من حادثاتِ الدهرِ ما لم يرهْ انتهى ما وجد بخطه في أصله.
|