الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الخِطط المقريزية المسمى بـ «المواعظ والاعتبار بذكر الخِطط والآثار» **
ثانيًا فقدم لخمس خلون من المحرم سنة تسع ومائة فانتفض القبط وحاربهم في سنة إحدى وعشرين ومائة وقدم رأس زيد بن علي إلى مصر في سنة اثنتين وعشرين ومائة ثم ولاه هشام إفريقية فاستخلف حفص بن الوليد بإمرة هشام وخرج لسبع خلون من ربيع الآخر سنة أربع وعشرين ومائة فكانت ولايته هذه خمس سنين وثلاثة أشهر. وولي حفص بن الوليد الحضرمي ثانيًا باستخلاف حنظلة له على صلاتها فأقره هشام بن عبد الملك إلى ليلة الجمعة لثلاث عشرة خلت من شعبان سنة أربع وعشرين فجمع له الصلات والخراج جميعًا واستسقى بالناس وخطب ودعا ثم صلى بهم ومات هشام بن عبد الملك واستخلف من بعده: الوليد بن يزيد فأقر حفصًا على الصلات والخراج ثم صرف عن الخراج بعيسى بن أبي عطاء لسبع بقين من شوال سنة خمس وعشرين ومائة وانفرد بالصلات ووفد ذعلى الوليد بن يزيد واستخلف عقبة بن نيم الرعيني وقتل الوليد بن يزيد وحفص بالشام وبويع يزيد بن الوليد بن عبد الملك فأمر حفصًا باللحاق بجنده وأمره على ثلاثين ألفًا وفرض الفروض وبعث بيعة أهل مصر إلى يزيد بن الوليد ثم توفي يزيد وبويع إبراهيم بن الوليد وخلعه مروان بن محمد الجعدي فكتب حفص يستعفيه من ولاية مصر فأعفاه مروان فكانت ولاية حفص هذه ثلاث سنين إلا شهرًا. وولي: حسان بن عتاهية بن عبد الرحمن التجيبي وهو بالشام فكتب إلى خير بن نعيم باستخلافه فسلم حفص إلى خير ثم قدم حسان لثنتي عشرة خلت من جمادى الآخرة سنة سبع وعشرين ومائة على الصلات وعيسى بن أبي عطاء على الخراج فأسقط حسان فروض حفص كلها فوثبوا به وقالوا: لا نرضى إلا بحفص وركبوا إلى المسجد ودعوا إلى خلع مروان وحصروا حسان في داره وقال له: اخرج عنا فإنك لا تقيم معنا ببلد وأخرجوا عيسى بن أبي عطاء صاحب الخراج وذلك في آخر جمادى الآخرة وأقاموا حفصًا فكانت ولاية حسان ستة عشر يومًا. فولي: حفص بن الوليد الثالثة: كرهًا أخذه قواد الفروض بذلك فأقام على مصر رجب وشعبان ولحق حسان بمروان وقدم حنظلة بن صفوان من إفريقية وقد أخرجه أهلها فنزل الجيزة وكتب مروان بولايته على مصر فامتنع المصريون من ولاية حنظلة وأظهروا الخلع وأخرجوا حنظلة إلى الحوف الشرقي ومنعوه من المقام بالفسطاط وهرب ثابت بن نعيم من فلسطين يريد الفسطاط فحاربوه وهزموه وسكت مروان عن مصر بقية سنة سبع وعشرين ومائة ثم عزل حفصًا مستهل سنة ثمان وعشرين. وولي: الحوثرة بن سهيل بن العجلان الباهلي: فسار إليها في آلاف وقدم أول المحرم وقد اجتمع الجند على منعه فأبى عليهم حفص فخافوا حوثرة وسألوه الأمان فأمنهم ونزل ظاهر الفسطاط وقد اطمأنوا إليه فخرج إليه حفص ووجوه الجند فقبض عليهم وقيدهم فانهزم الجند ودخل معه عيسى بن أبي عطاء على الخراج لثنتي عشرة خلت من المحرم وبعث في طلب رؤساء الفتنة فجمعوا له وضرب أعناقهم وقتل حفص بن الوليد ثم صرف في جمادى الأولى سنة إحدى وثلاثين ومائة وبعثه مروان إلى العراق فقتل واستخلف على مصر حسان بن عتاهية وقيل: أبا الجراح بشر بن أوس وخرج لعشر خلون من رجب وكانت ولايته ثلاث سنين وستة أشهر. ثم ولي: المغيرة بن عبيد الله بن المغيرة الفزاري على الصلاة من قبل مروان فقدم لست بقين من رجب سنة إحدى وثلاثين وخرج إلى الإسكندرية واستخلف أبا الجراح الحرشي وتوفي لثنتي عشرة خلت من جمادى الأولى سنة اثنتين وثلاثين ومائة فكانت ولايته عشرة أشهر واستخلف ابنه الوليد بن المغيرة ثم صرف الوليد في النصف من جمادى الآخرة. وولى: عبد الملك بن مروان بن موسى بن نصير من قبل مروان على الصلات والخراج وكان واليًا على الخراج قبل أن يولي الصلات في جمادى الآخرة سنة اثنتين وثلاثين ومائة فأمر باتخاذ المنابر في الكور ولم تكن قبله وإنما كانت ولاة الكور يخطبون على العصي إلى جانب القبلة وخرج القبط فحاربهم وقتل كثيرًا منهم وخالف عمرو بن سهيل بن عبد العزيز بن مروان على مروان واجتمع عليه جمع من قيس في الحوف الشرقي فبعث إليهم عبد الملك بجيش فلم يكن حرب وسار مروان بن محمد إلى مصر منهزمًا من بني العباس فقدم يوم الثلاثاء لثمان بقين من شوال سنة اثنتين وثلاثين ومائة وقد سود أهل الحوف الشرقي وأهل الإسكندرية وأهل الصعيد وأسوان فعزم مروان على تعديه النيل وأحرق دار آل مروان المذهبة ثم رحل إلى الجيزة وخرق الجسرين وبعث بجيش إلى الإسكندرية فاقتتلوا بالكريون وخالف القبط برشيد فبعث إليهم وهزمهم وبعث إلى الصعيد فقدم صالح بن علي بن عبد الله بن عباس في طلب مروان هو وأبو عون عبد الملك بن يزيد يوم الثلاثاء للنصف من ذي الحجة فأدرك صالح مروان ببوصير من الجيزة بعدما استخلف على الفسطاط معاوية بن يحيرة بن ريسان فحارب مروان حتى قتل ببوصير يوم الجمعة لسبع بقين من ذي الحجة ودخل صالح إلى الفسطاط يوم الأحد لثمان خلون من المحرم سنة ثلاث وثلاثين ومائة وبعث برأس مروان إلى العراق وانقضت أيام بني أمية. فولي: صالح بن علي بن عبد الله بن عباس ولي من قبل أمير المؤمنين أبي العباس عبد بن محمد السفاح فاستقبل بولايته المحرم سنة ثلاث وثلاثين ومائة وبعث بوفد أهل مصر إلى بني العباس السفاح ببيعة أهل مصر وأسر عبد الملك بن موسى بن نصير وجماعة وقتل كثيرًا من شيعة بني أمية وحمل طائفة منهم إلى العراق فقتلوا بقلنسوة من أرض فلسطين وأمر للناس بأعطياتهم للمقاتلة والعيال وقسمت الصدقات على اليتامى والمساكين وزاد صالح في المسجد وورد عليه كتاب أمير المؤمنين السفاح بإمارته على فلسطين والاستخلاف على مصر فاستخلف أبا عون مستهل شعبان سنة ثلاث وثلاثين وسار ومعه عبد الملك بن نصير ملزمًا وعدة من أهل مصر صحابة لأمير المؤمنين وأقطع الذين سودوا قطائع منها: منية بولاق وقرى إهناس وغيرها ثم من بعد صالح بن علي سكن أمراء مصر العسكر وأول من سكنه أبو العسكر الذي بني بظاهر مدينة فسطاط مصر اعلم: أن موضع العسكر قد كان يعرف في صدر الإسلام بالحمراء القصوى وقد تقدم أن الحمراء القصوى كانت خطة بني الأزرق وبني روبيل وبني يشكر بن جزيلة ثم دثرت هذه الخطط بعد العمارة بتلك القبائل حتى صارت صحراء فلما قدم مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية إلى مصر منهزمًا من بني العباس نزلت عساكر صالح بن علي وأبي عون عبد الملك بن يزيد في هذه الصحراء حيث جبل يشكر حتى ملؤوا الفضاء وأمر أبو عون أصحابه بالبناء فيه فبنوا وذلك في سنة ثلاث وثلاثين ومائة. فلما خرج صالح بن علي من مصر خرب أكثر ما بنى فيه إلى زمن موسى بن عيسى الهاشمي فابتنى فيه دارًا أنزل فيها حشمة وعبيده وعمر الناس ثم ولي: السري بن الحكم فأذن للناس في البناء فابتنوا فيه وصار مملوكًا بأيديهم واتصل بناؤه ببناء الفسطاط وبنيت فيه دار الإمارة وسجد جامع عرف بجامع العسكر ثم عرف بجامع ساحل الغلة وعملت الشرطة أيضًا في العسكر وقيل لها: الشرطة العليا وإلى جانبها بنى أحمد بن طولون جامعه الموجود الآن وسمي من حينئذ ذلك الفضاء بالعسكر وصار أمراء مصر إذا ولوا ينزلون به من بعد أبي عون فقال الناس من يومئذ: كنا بالعسكر وخرجنا إلى العسكر وكتب من العسكر وصار مدينة ذات محال وأسواق ودور عظيمة وفيه بنى أحمد بن طولون مارستانه فأنفق عليه وعلى مستغله ستين ألف دينار وكان بالقرب من بركة قارون التي صارت كيمانًا وبعضها بركة على يسرة من سار من حدرة ابن قميحة يريد قنطرة السد وعلى بركة قارون هذه كانت جنان بني مسكين وبني كافور الإخشيدي دارًا أنفق عليها مائة ألف دينار وسكنها في رجب سنة ست وأربعين وثلثمائة وانتقل منها بعد أيام لوباء وقع في غلمانه من بخار البركة وعظمت العمارة في العسكر جدًا إلى أن قدم أحمد بن طولون من العراق إلى مصر فنزل بدار الإمارة من العسكر وكان لها باب إلى جامع العسكر ينزلها الأمراء منذ بناها صالح بن علي بعد قتله مروان وما زال بها أحمد بن طولون إلى أن بنى القصر والميدان بالقطائع فتحول من العسكر وسكن قصره بالقطائع فلما ولي أبو الجيش خمارويه بن احمد بن طولون بعد أبيه جعل دار الإمارة ديوان الخراج ثم فرقت حجرًا بعد دخول حمد بن سليمان الكاتب إلى مصر وزال دولة بني طولون فسكن محمد بن سليمان بدار الإمارة في العسكر عند المصلى القديم وكان المصلى القديم حيث الكوم المطل الآن على قبر القاضي بكار ومازالت الأمراء تنزل بالعسكر إلى أن قدم القائد جوهر من المغرب وبنى القاهرة المعزية ولما بنى أحمد بن طولون القطائع اتصلت مبانيها بالعسكر وبنى جامعه على جبل يشكر فعمرها هنالك عمارة عظيمة تخرج عن الحد في الكثرة وقدم جوهر القائد بعساكر مولاه المعز لدين الله في سنة ثمان وخمسين وثلثمائة والعسكر عامر إلا أنه منذ بنيت القطائع هجر اسم العسكر وصار يقال: مدينة الفسطاط والقطائع وربما قيل: والعسكر أحيانًا فلما خرب محمد بن سليمان قصر ابن طولون وميدانه بقي في القطائع مساكن جليلة حيث كان العسكر وأنزل المعز لدين الله عمه أبا علي في دار الإمارة فلم يزل أهله بها إلى أن خربت القطائع في الشدة العظمى التي كانت في خلافة المستنصر إعوام بضع وخمسين وأربعمائة فيقال: إنه كان هناك زيادة على مائة ألف دار سوى البساتين وما هذا ببعيد فإن ذلك كان ما بين سفح الشرف الذي عليه الآن قلعة الجبل وبين ساحل مصر القديم حيث الآن الكبارة خارج مصر وما على سمتها إلى كوم الجارح ومن كوم الجارح إلى جامع ابن طولون وخط قناطر السباع وخط السبع سقايات إلى قنطرة السد ومراغة مصر إلى المعاريج بمصر وإلى كوم الجارح ففي هذه المواضع كان العسكر والقطائع ويخص العسكر من بين ذلك ما بين قناطر السباع وحدرة ابن قميحة إلى كوم الجارح حيث الفضاء الذي يتوسط ما بين قنطرة السد وبين سور القرافة الذي يعرف بباب المجدم فهذا هو العسكر ولما استولى الخراب في المحنة أمر ببناء حائط يستر الخراب عن نظر الخليفة إذا سار من القاهرة إلى مصر فيما بين العسكر والقطائع وبين الطريق وأمر ببناء حائط آخر عند جامع ابن طولون. فلما كان في خلافة الآمر بأحكام الله أبي علي منصور بن المستعلي أمر وزيره أبو عبد الله محمد بن فاتك المنعوت بالأجل المأمون بن البطائحي فنودي مدة ثلاثة أيام في القاهرة ومصر بأن من كان له دار في الخراب أو مكان فليعمره ومن عجز عن عمارته يبيعه أو يؤجره من غير نقل شيء من أنقاضه ومن تأخر بعد ذلك فلا حق له ولا حكر يلزمه وأباح تعمير جميع ذلك بغير طلب حق وكان سبب هذا النداء أنه لما قدم أمير الجيوش بدر الجمالي في آخر الشدة العظمى وقام بعمارة إقليم مصر أخذ الناس في نقل ما كان بالقطائع والعسكر من أنقاض المساكن حتى أتى على معظم ما هنالك الهدم فصار موحشًا وخرب ما بين القاهرة ومصر من المساكن ولم يبق هنالك إلا بعض البساتين فلما نادى الوزير المأمون عمر الناس ما كان من ذلك مما يلي القاهرة من جهة المشهد النفيسي إلى ظاهر باب زويلة كما يرد خبر ذلك في موضعه من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى ونقلت أنقاض العسكر كما تقدم فصار هذا الفضاء الذي يتوصل إليه من مشهد السيدة نفيسة ومن الجامع الطولوني ومن قنطرة السد ومن باب المجدم في سور القرافة ويسلك في هذا الفضاء إلى كوم الجارح ولم يبق الآن من العسكر ما هو عامر سوى جبل يشكر الذي عليه جامع ابن طولون وما حوله من الكبش وحدرة ابن قميحة إلى خط السبع سقايات وخط قناطر السباع إلى جامع ابن طولون وأما سوق الجامع من قبليه وما وراء ذلك إلى المشهد النفيسي وإلى القبيبات والرميلة تحت القلعة فإنما هو من القطائع كما ستقف عليه عند ذكر هذه الخطط إن شاء الله تعالى وطالما سلكت هذا الفضاء الذي بين جامع ابن طولون وكوم الجارح حيث كان العسكر وتذكرت ما كان هنالك من الدور الجليلة والمنازل العظيمة والمساجد والأسواق والحمامات والبساتين والبركة البديعة والمارستان العجيب وكيف بادت حتى لم يبق لشيء منها أثر البتة فأنشدت أقول: وبادوا فلا مخبر عنهم وماتوا جميعًا وهذا الخبر فمن كان ذا عبرة فليكن فطينًا ففي من مضى معتبر وكان لهم أثر صالح فأين هم ثم أين الأثر وسيأتي لذلك مزيد عند ذكر القطائع وعند ذكر خط قناطر السباع وغيره من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى. من حين بني إلى أن بنيت القطائع ذكر من نزل العسكر من أمراء مصر من حين بني إلى أن بنيت القطائع اعلم: أن أمراء مصر ما برحوا ينزلون فسطاط مصر منذ اختط بعد الفتح إلى أن بنى أب عون العسكر فضارت أمراء مصر من عهد أبي عون إنما ينزلون بالعسكر وما برحوا على ذلك إلى أن أنشأ الأمير أبو العباس أحمد بن طولون القصر والميدان والقطائع فتحول من العسكر إلى القصر وسكن فيه وسكنه الأمراء من أولاده بعده إلى أن زالت دولتهم فسكن الأمراء بعد ذلك العسكر إلى أن زالت دولة الإخشيدية بقدوم جوهر القائد من المغرب. وأول من سكن العسكر من أمراء مصر: أبو عون: عبد الملك بن يزيد من أهل جرجان ولي صلاة مصر وخراجها باستخلاف صالح بن علي له في مستهل شعبان سنة ثلاث وثلاثين ومائة ووقع الوباء بمصر فهرب أبو عون إلى يشكر واستخلف صاحب شرطته عكرمة بن عبد الله بن عمرو بن قحزم وخرج إلى دمياط في سنة خمس وثلاثين وومائة واستخلف عكرمة وجعل على الخراج: عطاء بن شرحبيل وخرج القبط بسمنود فبعث إليهم وقتلهم وورد الكتاب بولاية صالح بن علي على مصر وفلسطين والمغرب جمعت له ووردت الجيوش فولي: صالح بن علي الثانية على الصلاة والخراج فدخل لخمس خلون من ربيع الآخر سنة ست وثلاثين ومائة فأقر عكرمة على شرطة الفسطاط وجعل على شرطته بالعسكر: يزيد بن هاني الكندي وولى أبا عون جيوش المغرب وقدم أمامة دعاة لأهل إفريقية وخرج أبو عون في جمادى الآخرة وجهزت المراكب من الإسكندرية إلى برقة فمات السفاح في ذي الحجة واستخلف أبو جعفر عبد الله بن محمد المنصور فأقر صالحًا وكتب إلى أبي عون بالرجوع ورد الدعاة وقد بلغوا شبرت وبلغ أبو عون برقة فأقام بها أحد عشر يومًا ثم عاد إلى مصر في جيشه فجهزه صالح إلى فلسطين لحربه فغلب وسير إلى مصر ثلاثة آلاف رأس ثم خرج صالح إلى فلسطين واستخلف ابنه الفضل فبلغ بلبيس ورجع ثم خرج لأربع خلون من رمضان سنة سبع وثلاثين فلقي أبا عون بالفرما فأمره على مصر صلاتها وخراجها ومضى فدخل أبو عون الفسطاط لأربع بقين من رمضان. فولي: أبو عون ولايته الثانية من قبل صالح بن علي ثم أفرده أبو جعفر بولايتها وقد أبو جعفر بيت المقدس وكتب إلى أبي عون بأن يستخلف على مصر ويخرج إليه فاستخلف عكرمة على الصلاة وعطاء على الخراج وخرج للنصف من ربيع الأول سنة إحدى وأربعين ومائة فلما صار إلى أبي جعفر ببيت المقدس بعث أبو جعفر: موسى بن كعب فكانت ولاية أبي عون فوليها: موسى بن كعب بن عيينة ابن عائشة أبو عيينة من تميم من قبل أبي جعفر المنصور وكان أحد نقباء بني العباس فدخلها لأربع عشرة بقيت من ربيع الآخر سنة إحدى وأربعين ومائة على صلاتها وخراجها ونزل العسكر وبها الناس من الجند يغدون ويروحون إليه كما كانوا يفعلون بالأمراء قبله فانتهوا عنه حتى لم يكن أحد يلزم بابه وكان قد اتهم في خراسان بأمر أبي مسلم فأمر به أسد بن عبد الله البجلي والى خراسان فألجم بلجام ثم كسرت أسنانه فكان يقول بمصر كانت لنا أسنان وليس عندنا خبز فلما جاء الخبز ذهبت الأسنان.وكتب إليه أبو جعفر: إني عزلتك من غير سخطة ولكن بلغني أن غلامًا يقتل بمصر يقال له: موسى فكرهت أن تكونه فكان ذلك موسى بن مصعب زمن المهدي كما يأتي إن شاء الله تعالى فولي موسى بن كعب سبعة أشهر وصرف في ذي القعدة واستخلف على الجند ابن خاله ابن حبيب وعلى الخراج نوفل بن الفرات وخرج لست بقين منه. فولي: محمد بن الأشعث بن عقبة الخزاعي من قبل أبي جعفر على الصلاة والخراج وقدم لخمس خلون من ذي الحجة سنة إحدى وأربعين ومائة وبعث أبو جعفر إلى نوفل بن الفرات: أن اعرض على محمد بن الأشعث ضمان خراج مصر فإن ضمنه فأشهد عليه واشخص إلي وإن أبى فاعمل على الخراج فعرض عليه ذلك فأبى فانتقل نوفل الدواوين فافتقد ابن الأشعث الناس فقيل له: هم عند صاحب الخراج فندم على تسليمه وعقد على جيش بعث به إلى المغرب لحربه فانهزم وخرج ابن الأشعث يوم الأضحى سنة اثنتين وأربعين وتوجه إلى الإسكندرية واستخلف محمد بن معاوية بن بجير بن رسان صاحب شرطته ثم صرف ابن الأشعث فكانت ولايته سنة وشهرًا. وولي: حميد ين قحطبة بن شبيب بن خالد بن سعدان الطائي من قبل أبي جعفر على الصلاة والخراج فدخل في عشرين ألفًا من الجند لخمس خلون من رمضان سنة ثلاث واربعين ومائة ثم قدم عسكر آخر في شوال وقدم علي بن محمد بن عبد الله بن حسن بن الحسن داعية لأبيه وعمه فدس إليه حميد فتغيب فكتب بذلك إلى أبي جعفر فصرفه في ذي القعدة وخرج لثمان بقين من ذي القعدة سنة أربع وأربعين. فولي: يزيد بن حاتم بن قبيصة بن المهلب بن أبي صفرة من قبل أبي جعفر على الصلاة والخراج فقدم على البريد للنصف من ذي القعدة فاستخلف على الخراج معاوية بن مروان بن موسى بن نصير وفي إمرته ظهرت دعوة بني الحسن بن علي بمصر وتكلم بها الناس وبايع كثير منهم لعلي بن محمد بن عبد الله وطرق المسجد لعشر خلون من شوال سنة خمس وأربعين كما يذكر في موضعه من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى ثم قدمت الخطباء برأس إبراهيم بن عبد الله بن حسن بن الحسن بن علي في ذي الحجة فنصبت في المسجد وورد كتاب أبي جعفر بأمر يزيد بن حاتم بالتحول من العسكر إلى الفسطاط وأن يجعل الديوان في كنائس القصر وذلك في سنة ست وأربعين ومائة من أجل ليلة المسجد ومنع يزيد أهل مصر من الحج سنة خمس وأربعين فلم يحج أحد منهم ولا من أهل الشام لما كان بالحجاز من الاضطراب بأمر بني حسن ثم حج يزيد في سنة سبع وأربعين واستخلف عبد الله بن عبد الرحمن بن معاوية بن خديج صاحب شرطته وبعث جيشًا لغزو الحبشة من أجل خارجي ظهر هناك فظفر به الجيش وقدم رأسه في عدة رؤوس فحملت إلى بغداد وضم يزيد برقة إلى عمل مصر وهو أول من ضمها إلى مصر وذلك في سنة ثمان وأربعين وخرج القبط بسخا في سنة خمسين ومائة فبعث إليهم جيشًا فشتته القبط ورجع منهزمًا فصرفه أبو جعفر في ربيع الآخر سنة اثنتين وخمسين ومائة فكانت ولايته سبع سنين وأربعة أشهر. وولي: عبد اله بن عبد الرحمن بن معاوية بن حديج من قبل أبي جعفر على الصلاة لثنتي عشرة بقيت من ربيع الآخر وهو أول من خطب بالسواد وخرج إلى أبي جعفر لعشر بقين من رمضان سنة أربع وخمسين ومائة واستخلف أخاه محمدًا ورجع في آخرها ومات وهو وال مستهل صفر سنة خمس وخمسين ومائة واستخلف أخاه محمدًا فكانت ولايته سنتين فولي: محمد بن عبد الرحمن بن معاوية بن خديج باستخلاف أخيه فأقره أبو جعفر على الصلاة ومات وهو وال للنصف من شوال فكانت ولايته ثمانية أشهر ونصفًا واستخلف موسى بن علي. فولي: موسى بن علي بن رباح باستخلاف محمد بن خديج فأقره أبو جعفر على الصلاة وخرج القبط بهبيب في سنة ست وخمسين فبعث إليهم وهزمهم وكان يروح إلى المسجد ماشيًا وصاحب شرطته بين يديه يحمل الحربة وإذا أقام صاحب الشرطة الجدود يقول له: ارحم أهل البلاد فيقول: أيها الأمير ما يصلح الناس إلا ما يفعل بهم وكأن يحدث فيكتب الناس عنه ومات أبو جعفر لست خلون من ذي الحجة سنة ثمان وخمسين ومائة وبويع ابنه محمد المهدي فأقر موسى بن علي إلى سابع عشر ذي الحجة سنة إحدى وستين ومائة فكانت ولايته ست سنين وشهرين. وولي: عيسى بن لقمان بن محمد الجمحي: من قبل المهدي على الصلاة والخراج فقدم لثلاث عشرة بقيت من ذي الحجة سنة إحدى وستين ومائة وصرف لثنتي عشرة بقيت من جمادى الأولى سنة اثنتين وستين ومائة فوليها أربعة أشهر. ثم ولي: واضح مولى أبي جعفر من قبل المهدي على الصلاة والخراج فدخل لست بقين من فولي: منصور بن يزيد بن منصور الرعيني وهو ابن خال المهدي على الصلاة فقدم لإحدى عشرة خلت من رمضان سنة اثنتين وستين ومائة وصرف للنصف من ذي الحجة فكان مقامه شهرين وثلاثة أيام. ثم ولي: يحيى بن داود أبو صالح من أهل خراسان من قبل المهدي على الصلاة والخراج فقدم في ذي الحجة وكان أبوه تركيًا وهو من أشد الناس وأعظمهم هيبة وأقدمهم على الدم وأكثرهم عقوبة فمنع من غلق الدروب بالليل ومن غلق الحوانيت حتى جعلوا عليها شرائح القصب لمنع الكلاب ومنع حراس الحمامات أن يجلسوا فيها وقال: من ضاع له شيء فعلي أداؤه وكان الرجل يدخل الحمام فيضع ثيابه ويقول: يا أبا صالح احرسها فكانت الأمور على هذا مدة ولايته وأمر الأشراف والفقهاء وأهل النوبات بلبس القلانس الطوال والدخول بها على السلطان يوم الاثنين والخميس بلا أردية وكان أبو جعفر المنصور إذا ذكره قال: هو رجل يخافني ولا يخاف الله فولي إلى المحرم سنة أربع وستين. وقدم: سالم بن سوادة التميمي من قبل المهدي على الصلاة ومعه أبو قطيعة إسماعيل بن إبراهيم على الخراج لثنتي عشرة خلت من المحرم. ثم ولي: إبراهيم بن صالح بن علي بن عبد الله بن عباس من قبل المهدي على الصلاة والخراج فقدم لإحدى عشرة خلت من المحرم سنة خمس وستين وابتنى دارًا عظيمة بالموقف من العسكر وخرج دحية بن المعصب بن الأسبغ بن عبد العزيز بن مروان بالصعيد ونابذ ودعا إلى نفسه بالخلافة فتراخى عنه إبراهيم ولم يحفل بأمره حتى ملك عامة الصعيد فسخط المهدي لذلك وعزله عزلًا قبيحًا لسبع خلون من ذي الحجة سنة سبع وستين فوليها ثلاث سنين. ثم ولي: موسى بن مصعب بن الربيع من أهل الموصل على الصلاة والخراج من قبل المهدي فقدم لسبع خلون من ذي الحجة المذكور فرد إبراهيم وأخذ منه وممن عمل له ثلثمائة ألف دينار ثم سيره إلى بغداد وشدد موسى في استخراج الخراج وزاد على كل فدان ضعف ما يقبل به وارتشى في الأحكام وجعل خرجًا على أهل الأسواق وعلى الدواب فكرهه الجند ونابذوه وثارت قيس واليمانية وكاتبوا أهل الفسطاط فاتفقوا عليه وبعث بجيش إلى قتال دحية بالصعيد وخرج في جند مصر كلهم لقتال أهل الحوف. فلما التقوا انهزم عنه أهل مصر بأجمعهم وأسلموه فقتل من غير أن يتكلم أحد من أهل مصر لتسع خلون من شوال سنة ثمان وستين ومائة فكانت ولايته عشرة أشهر وكان ظالمًا غاشمًا سمعه الليث بن سعد يقرأ في خطبته: " ثم قدم الفضل بن صالح بن علي بن عبد الله بن عباس سلخ المحرم المذكور في جيوش الشام ومات المهدي في المحرم هذا وبويع موسى الهادي فأقر الفضل وقدم مصر يضطرب من أهل الخوف ومن خروج دحية فإن الناس كانوا قد كاتبوه ودعوه فسير العساكر حتى هزم دحية وأسر وسيق إلى الفسطاط فضربت عنقه وصلب في جمادى الآخرة سنة تسع وستين فكان الفضل يقول: أنا أولى الناس بولاية مصر لقيامي في أمر دحية وقد عجز عنه غيري فعزل وندم على قتل دحية والفضل هو الذي بنى الجامع بالعسكر في سنة تسع وستين فكانوا يجمعون فيه. ثم ولي: علي بن سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس من قبل الهادي على الصلاة والخراج فدخل في سنة تسع وستين ومائة ومات الهادي للنصف من ربيع الأول سنة سبعين ومائة وبويع هارون بن محمد الرشيد فأقر علي بن سليمان وأظهر في ولايته الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومنع الملاهي والخمور وهدم الكنائس المحدثة بمصر وبذل له في تركها خمسون ألف دينار فامتنع وكان كثير الصدقة في الليل وأظهر أنه تصلح له الخلافة وطمع فيها فسخط عليه هارون الرشيد وعزله لأربع بقين من ربيع الأول سنة إحدى وسبعين ومائة.
|