الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
قوله تعالى: {وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الذي كَانُواْ يَعْمَلُونَ}.قد قدمنا الآيات الموضحة له، في هذه السورة الكريمة، في الكلام على قوله تعالى: {فَبَشِّرْ عِبَادِ الذين يَسْتَمِعُونَ القول فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} [الزمر: 17- 18] وفي سورة النحل في الكلام على قوله تعالى: {وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [النحل: 97].قوله تعالى: {أَلَيْسَ الله بِكَافٍ عَبْدَهُ}.قد قدمنا الآيات الموضحة له، في هذه السورة الأنفال، في الكلام على قوله تعالى: {يا أيها النبي حَسْبُكَ الله وَمَنِ اتبعك مِنَ المؤمنين} [الأنفال: 64] وعلى قراءة الجمهور {بكاف عبده} بفتح العين وسكون الباء، بإفراد العبد، والمراد به، النبي صلى الله عليه وسلم. كقوله: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ الله} [البقرة: 137] وقوله تعالى: {يا أيها النبي حَسْبُكَ الله} [الأنفال: 64] الآية.وأما على قراءة حمزة والكسائي {عِبادَهُ} بكسر العين وفتح الباء بعدها ألف على أنه جمع عبد، فالظاهر أنه يشمل عباده الصالحين من الأنبياء وأتباعهم.قوله تعالى: {وَيُخَوِّفُونَكَ بالذين مِن دُونِهِ}.ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة، أن الكفار عبدة الأوثان، يخوفون النبي صلى الله عليه وسلم، بالأوثان التي يعبدونها من دون الله، لأنهم يقولون له: إنها ستضره وتخبله، وهذه عادة عبدة الأوثان لعنهم الله، يخوفون الرسل بالأوثان ويزعمون أنها ستضرهم وتصل إليهم بالسوء.ومعلوم أن أنبياء الله عليهم صلوات الله وسلامه، لا يخافون غير الله ولاسيما الأوثان، التي لا تسمع ولا تبصر، ولا تضر ولا تنفع، ولذا قال تعالى عن نبيه إبراهيم لما خوَّفوه بها {وَكَيْفَ أَخَافُ مَآ أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بالله مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الفريقين أَحَقُّ بالأمن} [الأنعام: 81] الآية.وقال عن نبيه هود وما ذكره له قومه من ذلك {إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعتراك بَعْضُ آلِهَتِنَا بسواء قَالَ إني أُشْهِدُ الله واشهدوا أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى الله رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَآ إِنَّ رَبِّي على صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [هود: 54- 56].وقال تعالى في هذه السورة الكريمة، مخاطبًا نبينا صلى الله عليه وسلم، بعد أن تخويفهم له بأصنامهم {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السماوات والأرض لَيَقُولُنَّ الله قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ الله إِنْ أَرَادَنِيَ الله بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ الله عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ المتوكلون} [الزمر: 38].ومعلوم أن الخوف من تلك الأصنام من أشنع أنواع الكفر والإشراك بالله.وقد بين جل وعلا في موضع آخر، أن الشيطان يخوف المؤمنين أيضًا، الذين هم أتباع الرسل من أتباعه وأوليائه من الكفار، كما قال تعالى: {إِنَّمَا ذلكم الشيطان يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ} [آل عمران: 175].والأظهر أن قوله: {يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ} حذف فيه المفعول الأول، أي يخوفكم أولياءه، بدليل قوله بعده: {فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ} الآية.قوله تعالى: {قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ الله إِنْ أَرَادَنِيَ الله بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ} الآية.ما ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة من أن المعبودات من دونه، لا تقدر أن تكشف ضرًا أراد الله به أحدًا، أو تمسك رحمة أراد بها أحدًا، جاء موضحًا في آيات كثيرة، كقوله تعالى: {لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يَبْصِرُ وَلاَ يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا} [مريم: 42] وقوله تعالى: {قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ قَالُواْ بَلْ وَجَدْنَآ آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} [الشعراء: 72- 74]. وقوله تعالى: {مَّا يَفْتَحِ الله لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ العزيز الحكيم} [فاطر: 2] وقوله تعالى: {وَإِن يَمْسَسْكَ الله بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ} [يونس: 107] الآية، والآيات بمثل ذلك كثيرة معلومة.{وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (45)} قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة الصافات، في الكلام على قوله تعالى: {إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بالمجرمين إِنَّهُمْ كانوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ إله إِلاَّ الله يَسْتَكْبِرُونَ} [الصافات: 34- 35].قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا فِي الأرض جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْاْ بِهِ مِن سواء العذاب يَوْمَ القيامة}.ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن الذين ظلموا وهم الكفار، لو كان لهم في الآخرة ما في الأرض جميعًا ومثله معه، لفدوا أنفسهم به من سوء العذاب الذي كاينوه يوم القيامة، وبين هذا المعنى في مواضع أخر وصرح فيها بأنه لا فداء ألبتة يوم القيامة كقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الأرض ذَهَبًا وَلَوِ افتدى بِهِ أولئك لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ} [آل عمران: 91]. وقوله تعالى: {إِنَّ الذين كَفَرُواْ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَّا فِي الأرض جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُواْ بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ القيامة مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُواْ مِنَ النار وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ} [المائدة: 36- 37] وقوله تعالى: {فاليوم لاَ يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ وَلاَ مِنَ الذين كَفَرُواْ مَأْوَاكُمُ النار هِيَ مَوْلاَكُمْ وَبِئْسَ المصير} [الحديد: 15]. وقوله تعالى: {وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَآ أولئك الذين أُبْسِلُواْ بِمَا كَسَبُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُون} [الأنعام: 70]. فقوله: {وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ} أي وأن تفتد كل فداء، وقوله تعالى: {وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ} [البقرة: 48] وقوله: {وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ} [البقرة: 123] الآية، والعدل الفداء وقوله تعالى: {لِلَّذِينَ استجابوا لِرَبِّهِمُ الحسنى والذين لَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَّا فِي الأرض جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْاْ بِهِ أولئك لَهُمْ سواء الحساب وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المهاد} [الرعد: 18].وقد قدمنا طرفًا من هذا سورة آل عمران، في الكلام على قوله تعالى: {فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الأرض ذَهَبًا وَلَوِ افتدى بِهِ} [آل عمران: 91] الآية.قوله تعالى: {وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا}.قوله وبدا لهم أي ظهر لهم سيئات ما كسبوا، أي جزاء سيئاتهم التي اكتسبوها في الدنيا، فالظاهر أنه أطلق السيئات هنا مرادًا بها جزاؤها.ونظيره من القرآن قوله تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} [الشورى: 40].ونظير ذلك أيضًا إطلاق العقاب، على جزاء العقابن في قوله تعالى: {ذلك وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ الله} [الحج: 60] الآية.وما تضمنته هذه الآية الكريمة، من أنهم يبدوا لهم يوم القيامة، حقيقة ما كانوا يعملونه في الدنيا جاء موضحًا في آيات أخر، كقوله تعالى: {هُنَالِكَ تَبْلُواْ كُلُّ نَفْسٍ مَّآ أَسْلَفَتْ} [يونس: 30] وقوله تعالى: {يُنَبَّأُ الإنسان يَوْمَئِذِ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ} [القيامة: 13] وقوله تعالى: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ} [الانفطار: 5]. وقوله تعالى: {وَيَقُولُونَ يا ويلتنا مالِ هذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِرًا} [الكهف: 49] الآية. وقوله تعالى: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ القيامة كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا اقرأ كَتَابَكَ كفى بِنَفْسِكَ اليوم عَلَيْكَ حَسِيبًا} [الإسراء: 13- 14] إلى غير ذلك من الآيات.قوله تعالى: {فَإِذَا مَسَّ الإنسان ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِّنَّا قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ على عِلْمٍ}.قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة يونس، في الكلام على قوله تعالى: {وَإِذَا مَسَّ الإنسان الضر دَعَانَا لِجَنبِهِ} [يونس: 12] الآية. اهـ.
|